باتت مشروعات توسعة الحرمين الشريفين من أهم أولويات الملك عبد الله بن عبد العزيز التنموية؛ آلة الإعمار المباركة لا تكاد تتوقف في جنبات الحرم؛ مشروعات متتالية تُنفق عليها الدولة مئات المليارات، تقربًا إلى الله، بخدمة الحجاج والمعتمرين.
فضيلة الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين؛ الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي؛ وصف التوسعة الأخيرة التي تبناها الملك عبد الله بن عبدالعزيز، العام الماضي، على أنها «أكبر مشروع لتوسعة المسجد الحرام في التاريخ» ووصف التوسعة بأنها «أكبر من كل التوسعات التي وجدت في التاريخ مجتمعة»؛ تُرى ما الذي يمكن أن نقوله عن التوسعة الجديدة التي وضع الملك عبد الله حجر أساسها يوم أمس الجمعة!. هي نقلة تاريخية في عمارة البيت الحرام، وتوسعته خدمة للحجاج والمعتمرين.
إضافة مساحة 400 ألف متر مربع وبعمق 380 مترًا، إلى المسجد الحرام سيزيد من طاقته الاستيعابية بأكثر من 1.2 مليون مصلٍ. أربعون مليار ريال هي تكلفة العقارات المنزوعة لصالح المشروع، إضافة إلى تكاليف البناء، وهي تكلفة ضخمة بكل المعايير، إلا أن ضخامتها تتهاوى أمام ما سيقدمه المشروع للإسلام والمسلمين. تذويب التكدس العمراني حول منطقة المسجد الحرام، وتفريغ المناطق المحيطة خدمة للمصلين، إضافة إلى تطوير وتحسين البيئة العمرانية كان سببًا رئيسًا لإحداث التوسعة الأخيرة.
على الرغم من أهمية التوسعة وإيجابيتها لاستيعاب الإعداد المتنامية من الحجاج والمعتمرين، إلا أنها أحدثت خللاً في قطاع الإيواء، بعد إزالة الفنادق، والشقق المفروشة التي كانت توفر الخدمة للزائرين، بأسعار معقولة مقارنة بالأسعار الحالية.
للأسف الشديد، فتعامل قطاع الإيواء مع مشروعات خادم الحرمين الشريفين السخية كان سلبيًا بكل المعايير. فسخاء الحكومة على مشروعات الحرمين الشريفين قابله استغلال ممقوت من ملاك الفنادق المحيطة بالمسجد الحرام. استغلال الفنادق والشقق المفروشة للمعتمرين جاء بسبب الندرة، وزيادة الطلب، وغياب الرقابة، وهو ما سوغ لهم رفع رسوم الغرفة لليلة الواحدة إلى ستة آلاف ريال. استغلال قطاع الإيواء في مكة المكرمة حاجة المعتمرين سيزداد مع المشروعات الجديدة، فالتوسعة الحالية ستسمح بإضافة 1.2 مليون زائر على ما هو متاح حاليًا، ما يعني زيادة كبيرة في حجم الطلب على مراكز الإيواء المحدودة، التي ستستغل زيادة الطلب لرفع الأسعار.
مشروعات الحرم المُباركة التى يقودها خادم الحرمين الشريفين بعزيمة وإصرار، في حاجة إلى مشروعات موازية في قطاع الإسكان، فزيادة القدرة الاستيعابية للمسجد الحرام يجب أن يقابلها زيادة مماثلة في قطاع الإيواء، ولا يمكن تحقيق ذلك بالمساحات المتاحة حول المسجد؛ مشروع جبل عمر قد يساعد في حل جزء من المشكلة، إلا أنه لن ينجح في القضاء عليها؛ لذا أعتقد أن إنشاء ضواحٍ حديثة حول منطقة الحرم المكي وربطها بشبكة قطارات أرضية بالمسجد الحرام هو الحل الأمثل لهذه المعضلة؛ إضافة إلى ما سيحققه ذلك من تطوير للمناطق البعيدة، وفك الاختناق والتكدس والتخفيف على المنطقة المحيطة بالمسجد الحرام.
يمكن البدء بإنشاء ضاحية واحدة، ثم تستكمل بضواحٍ أخرى تحقق الفائدة للحجاج والمعتمرين، ولسكان مكه ايضا. إنشاء ضاحية سكنية جديدة متكاملة الخدمات بحسب المواصفات العالمية، وربطها بشبكة قطارات نافذة إلى المسجد الحرام سيخفف الضغط على منطقة الحرم، وسيوفر للحجاج والمعتمرين خيارات إيوائية متعددة، وبأسعار مختلفة؛ ومناطق للتسوق، ومساحات شاسعة تعينهم على أداء نسكهم بكل يسر وإطمئنان؛ وستحقق التطوير الأمثل لمنطقة الحرم وبما يتوافق مع متطلبات العصر الحديث.
تطوير المناطق البعيدة؛ وغير المأهولة؛ تُعطي الحكومة مساحة رحبة للإبداع في التصاميم الحديثة وإنشاء ضواحٍ عالمية متكاملة، تُسهم في توفيرالخدمات المناسبة، والبيئة المتميزة للحجاج، المعتمرين، وسكان مكة المكرمة؛ وتساعد في خفض التكاليف، خصوصًا أنه من الممكن طرح مثل هذه المشروعات للاستثمار فتحقق الحكومة الفائدة دون أن تتحمل تكاليف مالية مضنية.
كل ما أتمناه أن تكون التوسعة القادمة موجهة لمناطق الإيواء، وأن نبدأ بإنشاء «ضاحية الملك عبدالله» لخدمة الحجاج والمعتمرين بمواصفات، وتصاميم عالمية، وربطها بشبكة قطارات سريعة بمنطقة المسجد الحرام؛ ولتكون نواة لضواحٍ أخرى حديثة تسهم في تغيير بيئة المنطقة المحيطة بالمسجد الحرام، وبما يحقق الفائدة لأهل مكة، وزوارها من الحجاج والمعتمرين.
f.albuainain@hotmail.com