البارحة استيقظت في ذاكرتي واشتعلت صورة الأطفال الصوماليين الجياع الذين يأكلون التراب أكلاً لمّا من شدة الجوع والفاقة والعوز، أطفال ليس بهم حيوية ولا رشاقة ولا نشاط ولا حبور سوى الكساح المخيف، والمرض، والجدب الطويل،
عندها تساءلت ماذا لو أن هؤلاء الأطفال أطفالنا، أكنّا نطيق الحياة؟ أو نمارس الفرح؟ إن الأطفال هناك أصبحوا كالمخلوقات الخرافية الغريبة وفق منظر بائس وفقير وبه مرارة عالية وألم هائل، الحزن الحاد، والعذابات المنهكة، والهواجس المبهمة، أشياء تبدو عصية على التصديق والتخيل، دوائر الموت تدور حولهم وتكبل أرواحهم المعذبة بقيود لا انعتاق منها، لقد ضاقت بهم الدنيا بما رحبت، لا طعم الحياة عندهم هو الطعم، ولا لون الماء هو اللون، ولا يتمتعون بتحليق النوارس، ولا منظر السواقي، ولا مصابات المياه النازلة، ولا الجسور الرابضة، ولا الضفاف المعشبة، ولا أطباق الطعام، ولا يعرفون حتى ترتيب الحديقة الصغيرة الكائنة في وسط الفناء، ولا كيف يلملمون الحبات المتساقطة المندفعة من الشجرة التوت الوارفة وتقديمها بآنية تشبه الفضة. إن الأطفال الصوماليين هناك حتمًا يحبون الحمام، والصباحات الجميلة، والوردة، وباص المدرسة، والحبر والمحبرة والدفتر، والفراش الوثير، والحراك والتنفس، والرغيف، وقطع اللحم، لكن هديلهم شاخ، واصفرّت وجوههم، وذبلت ملامحهم، وناموا دون خبز، ورز، ولحاف، زغب الحواصل هم، مثل عكازة بيد أعمى، لقد تهدمت حياتهم، كما تتهدم جدران البيت الطيني في يوم عاصف مطير، لقد ملأتهم سنوات العجاف بالقحط وبالذبول، حتى صارت أحلامهم خاوية مثل بئر معطل وقصر عتيق، البارحة سألت نفسي وأنا ألوك فطيرة فرنسية فاخرة، ولبنًا رائبًا وفاكهة وخضرة، كيف سنقابل الله، وقد تهدمت البهجة في أطفال الصومال، وتركناهم مثل قشة في دوامة ريح، كيف ننام ونحلم ونجلب المال ونمارس الحب ونشتري ألعابًا لأطفالنا، وعتمة الليل هناك تقتل المكان، فهل نبصر اللوعة الحادة والفجيعة القاسية ولا نغمض عيوننا ونفطن لهم بعجل، لكي يمحو الله عنا عظائم الخطايا كلها والذنوب الصغيرة.
ramadanalanezi@hotmail.com