تعتبر خطبة الجمعة من أعظم شعائر الإسلام، وهي إن أوديت على الوجه الصحيح، أثمرت، وآتت أكلها، وأنتجت خيرا كثيرا. ولأننا نعيش في مجتمعات كبيرة، فإن المسؤولية حينئذ تعظم، والمطالب تتعدد، ومجال النقد يتسع، فكان لا بد من البحث عن الجودة في الاختيار، والإتقان في الأداء.
غير أن فئات من الناس، ملوا طرح بعض الخطب المكررة، التي قد تصل في بعض الأحيان إلى صورة المطابقة، أو أن تكون الخطبة طويلة مخالفة للنهج النبوي في ذلك، فيحصل من خلالها التشتت في بيان الفكرة. مما جعل خطبة الجمعة، أعجز من أن تجذب، أو تقنع المصلين؛ لتقديم التوجيه المناسب. فظهر التفاوت في التأثير، وحصل التباين في مدة بقاء الخطبة في الأذهان.
تكمن المشكلة أساسا، في افتقار بعض الخطباء إلى الطريقة المميزة في الإلقاء، والأسلوب الجذاب، والتقليدية في الطرح. بل إنك لتعجب، حين يتحدث الخطيب بعيدا عن القضايا الساخنة، التي تهم الناس في حياتهم، ومعاشهم. فانعزلت الخطبة حينئذ عن المتغيرات، وابتعدت عن حراك الحياة، فانعكس ذلك سلبا على مستوى الخطبة، وجودتها.
إن من المؤسف أن ترى في واقعنا، تصورات خاطئة في أداء هذه الشعيرة العظيمة. وإنك لتحار من الفجوة بين أهداف الخطبة، وبين أداء بعضهم، ممن لم يعِ بعد أمانة المسؤولية، وإدراك أهمية رسالة المنبر؛ ليتصدى لهذه المهمة الجليلة. فتراه يخاطب المصلين بوجه عبوس، أو أنهم مجموعة من الجهلة لا يفقهون، ويورد على مسامعهم ألفاظ السب، والتقريع، والتوبيخ، ورديء القول، وشنيع المقال، فلا يصل إلى قلوبهم. وهذا ما يجعلنا بحاجة إلى توفير خطباء أكفاء، يجمعون بين الوعي بأهمية الخطبة، وأولوياتها، من جهة. وبين المهنية العالية التي تمكنهم من توفير المعلومة، والتحليل المناسب، من جهة أخرى؛ ليتجلى الإتقان في أبهى صوره.
ومع أن الوزارة حتى هذه اللحظة، لم تلزم الخطيب بنص خطبة، أو بلفظها، بل للخطيب أن يختار ما يشاء من المواضيع؛ لتبقى طريقة المعالجة بيده، يرسمها كما يشاء حسب علمه، واجتهاده، وقدراته، وصياغتها من حيث طريق التقديم، ووسيلة التعبير، التي يسمح بها الشرع، وتدعو إليها مقاصده، عندئذ سيشعر المستمع، أنه محل التقدير، والاحترام، ومما يعين على ذلك جملة من الأمور، منها : حسن اختيار موضوع الخطبة؛ ليكون قادرا على المواءمة بين مطالب الشرع، وحاجات الواقع، وتطلعات المستقبل. فالطريقة التي تقدم بها الفكرة، هي جزء من الفكرة ذاتها، -وبالتالي- ستتماشى الخطبة مع مجريات الواقع -زمانا ومكانا-. وهذا -بلا شك- مظنة الأفق الواسع للخطيب، -سواء- كان ذلك في شمولية الفكرة، أو في شمولية الأسلوب. كما أن الحرص على قصر الخطبة، وطول الصلاة، دليل على فقه الخطيب، لحديث: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه»، وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة إنما هن كلمات يسيرات». مع التأكيد على ضرورة إلحاق الخطباء ببرامج تدريبية، تعتمد فن الإلقاء، والتأثير في الناس، وتنمية الذات؛ لمعرفة نفسيات المتلقين.
بقي أن أقول: إن مخاطبة الناس على قدر عقولهم، ومستوياتهم. وتضمين الخطبة البراهين العقلية المقنعة، والحجة، والبيان. مع ضرورة البعد عن مواطن الاختلاف، وتعارك الأسلاف - مطلب مهم -، مصداقا لحديث: «حدثوا الناس بما يعرفون».
drsasq@gmail.com