يا فارس المدن التي ترجلت صهوتها فلبست ثياب الحزن والحداد.. يا سيد الشعر: إلى من أشكو وقد نضب الحرف واشتعل الرأس ألف ذكرى.. يا غازي الشعر والنثر والحياة.. أين مباهج الحياة وقد غادرتها، والبحور وقد أسرت موجها برحيلك، غبت وبعثرت أشواقنا أدراج الرياح.. وزرعتنا الغيمات حبات من الدمع على سفوح الحنين..
في لحظات يصهل فينا الشوق لحرفك وحضورك الطاغي وحديثك العذب.. لا نملك إلا أن نصنع من حروفك طوق نجاة قد تحملنا لمرافئ الحنين والذكرى فننجو إلى ضفة قد يكون فيها قصيدك أكثر عذابا من غيابك.. تتبدى ملامح وجهك الباسم في الرياض التي اشتاقت خطاك.. ترحب بي هذه المدينة التي تسكنني والتي أرددها على لسانك كأنشودة فرح.. (كأنك أنت الرياض.. بترحيبها بالغريب الجريح على شاطئيها) فكل ملح البحر بعد غيابك لا يسكت نزف الجرح.. وغربة الروح لا تهدأ وهي تهيم قرب مهد القصيدة تستصرخ قائلها.
أنجو من الغياب إلى الذكرى، ومن الحضور إلى الحلم، ومنك إلى الذين عشقوك.. في أنينهم أسمع شهقات عذاب، وفي دمعهم تغوص بحور من الألم، كيف استطعت أن تبني داخلنا كل هذه القلاع لك والجبال من محبتك ثم تركتها للريح والموج الثائر من الغيظ؟ كيف!!
ثقيلة هي تركتك من المحبة والألم..وثقيلة أحزاننا كذلك، أهرع إلى مكتبتي أتصفح إهداءاتك على إصداراتك التي حرصت أن أتسلمها مباشرة وهي تخرج من مخبز المطبعة، كانت كرغيف الحياة.. وبعضها وما ناقشناه سويا في مكتبك الذي يلوح لي كلما مررت ببوابته الكبيرة ورأيت جموع الموظفين وجموع المراجعين أنك مررت من هنا.. بعضها لم أستطع حتى الآن أن أتصالح معه.. «حكاية حب» أذكر يومها قلت لك: من أين أتيت بكل هذا الحب وكل هذا الموت والحزن وألقيت به على كاهل قارئك ثم عدت برواية أخرى لتعيد صياغة هذه الرواية بلغة الأنثى «رجل جاء وذهب» التي دوختني كثيرا وأبكتني أكثر..
أيها الفارس الرمز الاستثناء.. أنت حاضر بكل تفاصيل الحياة.. كغيمة ممثلة بجواد أبيض يغزو أفكارنا وأحلامنا وأشواقنا، كتلك التي صهلت على غلاف كتاب «غازي القصيبي الحاضر الغائب في ذاكرة القلم» وما اختاره معالي عبدالرحمن السدحان بعد العام من رحيلك وجمعه بين طيات هذا المُؤَلَّف:
من آخر البحر لعبدالله باشراحيل
سر هو الموت في ألوان ألغاز
وقد كشفت خفيّ السر يا غازي
قد امتطيت بروق الغيم سارية
فارشف سنا راحم بالجود نزار
وخذ نوالك في شهر الصيام رضا
رب الأنام على صبر وإحراز
غادرتنا وبحور الشعر باكية
وكنت صورة روض بين برواز
mysoonabubaker@yahoo.com