الحيوانات والطيور، يطلق عليها اسم العجماوات لأن الله سبحانه، لم ينطقها كما أنطق الإنسان وقد انطق جل وعلا الببغاء، بكلمات قليلة، فاستأنس بها الإنسان، وجعلها بعضهم نذيراً، أو شبه حارس للإخبار عمن يصل البيت، ولكنها كلها: من طير وحيوان وزواحف لها قدرة للتفاهم مع بعضها،
وتأنس بالإنسان وذللها الله له وعلم الله نبيه سليمان منطق الطير، وحديث النمل والهدهد كما أخبرنا الله سبحانه عن ذلك وكما جاء في بعض الإسرائيليات.
ويوم القيامة ينطقها الله الذي أنطق كل شيء ويقتص بعضها من بعض، ثم يقول لها الله سبحانه: كوني تراباً، وكما حصل من الجمل الذي اشتكى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من صاحبه أنه يجوعه ويظلمه، فدعا بصاحب الجمل ونقل له الشكوى وأوصاه بالرفق به، وإطعامه.
والكلب عرف بالوفاء عند البادية، ويفهم لغتهم عندما يطلبون منه حفظ الأغنام، أو مدافعة الذئاب..
ولعالم الحيوانات والطيور المدربة للصيد، مكانة عند العرب، حتى أن الشاعر علي بن الجهم، عندما جاء هارون الرشيد ومدحه، واصفاً له بالكلب فقال:
أنت كالكلب في حفاظك للود
وكالتيس في قراع الخطوب
أنت كالدلو لاعدمنا دلواً
إلى آخر قصيدته..
فاسْتُهْجِنَ ذلك فقال الرشيد، دعوه فإنه لم يرَ غير هذه، ولكن اصبروا عليه شهراً، فبقي في بغداد يتمتع بمناظر الحضارة وما فيها من مباهج الحياة، التي رآها لأول مرة، فسلبت فؤاده ثم أدخلوه على الرشيد ليمدحه بقصيدة مطلعها:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
فقال الرشيد لمن حوله: انظروا الفارق في الوصف بين الحالين..
ولذا نرى الإخباريين في مؤلفاتهم المتفرقة قد اهتموا بالحيوانات والطيور والزواحف، والّفوا فيها وأبرزوا خصوصيات بعضها كالدميري، في كتابه حياة الحيوان الكبرى، والجاحظ في كتابه الحيوان وغيرها كما في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي الذي اختار منه حكاية عن الفيلة ووفائها، فقال: حيث أورد حكاية، عَنْوَنَ لها بـ(أعان الفيلة على قتل ثعبان) فكافأوه بما أغناه وفي هذه الحكاية شيء من الطرافة، ودلالة على وفاء وذكاء الفيلة حيث روى بالسند قائلاً: ذكر جماعة من شيوخ البحرين، الذين ترددوا إلى بلاد الهند، وأنهم سمعوا أن هناك حكاية مستفيضة، أن رجلاً كان معاشه صيد الفيلة، قال: استخفيت مرة في شجرة، كبيرة عالية، كثيرة الورق في غيضة كانت تجتاز بها الفيلة، من شرائع الماء، التي تردها إلى مراتعها.
فاجتاز بي قطيع منها، وكانت عادتي أن أدع آخرها تجوز، حتى تبلغ آخر فيل منها، فأرميه بسهم مسموم في بعض مقاتله فتجفل الفيلة، فإذا مات الفيل المجروح نزلت فاقتلعت أنيابه وسلخت جلده وأخذت ذلك فبعته في البلاد.
فلما اجتاز بي هذا القطيع، رميت آخر فيل كان فيه فخر فاضطربت الفيلة، وأسرعت عنه، فإذا أعظمها قد عاد فوقف عليه وتأمل السهم والجرح، ورجعت معه الفيلة، ووقفت بوقوفه فما زال واقفاً، والفيل المجروح يضطرب، إلى أن مات.
فضج ذلك الفيل ضجيجاً عظيماً، وضجت الفيلة معه، فلما مات الفيل نظر الغيضة ففتشها شجرة شجرة، فأيقنت بالهلاك وانتهى الفيل الأعظم إلى الشجرة التي أنا فيها، فلما رآني احتك بالشجرة وأنا أعلاها إذا قد انكسرت على عظمها وضخامتها، وسقطت أنا والشجرة على الأرض، فما أشك في أن الفيل سوف يدوسني، وإذا به قد وقف يتأملني وأحجمت الفيلة عني.
فلما رأى الفيل العظيم قوسي وسهامي لف خرطومه علي برفق، وشالني من غير أذى، حتى وضعني على ظهره، ورجع يريد الطريق التي كان أقبل منها، وهرول وهرولت الفيلة خلفه حتى بلغ الماء والفيلة معه.
فإذا قد خرج علينا ثعبان عظيم ينفخ فتأخرت الفيلة، وأشار الفيل الأعظم بخرطومه فلفه علي وأنزلني وتركني على الأرض، وأخذ يومئ بخرطومه إلى الثعبان برفق وتملّق.
فسددت سهماً إلى الثعبان، ورميته فأصبته، وتابعت رميه، فانصرف مثخناً، ثم مات.
فتقدم إليه الفيل العظيم فداسه ثم عاد إلي فأخذني بخرطومه وجعلني على ظهره، وأقبل يهرول والفيلة خلفه وأنا خائف لا أدري أين سيذهب بي.
فجاء بي إلى غيضة لم أكن أعرفها، أعظم من التي أخذني منها، وأبعد بعدة فراسخ، وفيها فيلة كثيرة ميتة لا يحصيها إلا الله تعالى، وأكثرها قد بلي جسده، وبقيت عظامه، فإذا هي قد انكسرت على عظمها وضخامتها.
فما زال يتتبع الأنياب ويجمعها ويومئ إلي وهو يجمعها فيلاً فيلاً، حتى لم يدع هناك ناباً إلا جمعه، وأوقر تلك الفيلة، ثم أركبني على ظهره، وأخذ بي في طريق العمارة واتّبعته الفيلة.
فلما شارف القرى وقف وأومأ إلى الفيلة وطرحت أحمالها، حتى لم يبق منها شيء، ثم أنزلني بخرطومه برفق وتركني عند الأنياب، وقد صارت تلاًّ عظيماً هائلاً.
فجلست عندها متعجباً من سلامتي، ورجع الفيل يريد الصحراء، ورجعت الفيلة برجوعه، وأنا لا أصدق بسلامتي، ولا بما شاهدت من عظم فطنة الفيل هذا.
فلما غابت الفيلة عني، مشيت إلى أقرب القرى إلي، واستأجرت خلْقاً كثيراً حتى خرجوا معي، وحملوا تلك الأنياب، في أيام إلى القرية.
وما زلت أبيعها في تلك المدن، حتى حصل لي مال عظيم، كان سبب يساري وغناي عن صيد الفيلة.
قال المحقق: ناقش الصياد جاد الله طانيوس، موضوع مقبرة الفيلة، في كتابه: الصيد في غابات السودان فقال في ص 120 -1 في كتابه هذا الفريد أن الفكرة القائلة، بأن للأفيال مقبرة فيها موتاها، وأن من يعثر عليها يسعد ويغتني.
وقد تسلطت على عقول الكثيرين من عشاق الصيد، خصوصاً الأوربيين، وقد قال كثير منهم إنها صحيحة، والحقيقة أنه كثيراً ما تموت جماعة من الأفيال في بقعة واحدة بسبب مرض وبائي، أو ضربة صاعقة، وقد يصل عدد الضحايا من الأفيال، إلى اثني عشر فيلاً أو أكثر، فإذا جاء أحد الصيادين، ورأى مجموعة كهذه من الأفيال الميتة وجد ثروة عظيمة وظن أنه عثر على الكنز، المسمى: مقبرة الفيلة، وكل صياد يعرف عن طبيعة الفيل أنه يحس بدنو أجله فيحاول أن يستقر، نهائياً في مكان فيه أشلاء الأفيال الميتة ولكن ليس من المستطاع ان يصل كل فيل مجروح أو مريض، أو في حالة خطرة إلى النقطة التي يريدها، أي المكان الذي فيه أشلاء من مات قبله، وقد يموت في أية بقعة، فيكون هو مقبرة ثانية للأفيال التي يداهمها الموت وبهذه الطريقة تتعدد مقابر الأفيال (الفرج بعد الشدة ج 4 ص 174 - 176) للتنوخي وصدق الله في قول الكريم: وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم (38) سورة الأنعام.