منذ أن طُبق نظام ساهر، وهو لا يزال حديث الناس، إما سلبا، أو إيجابا. مع أن الانتقادات التي وُجهت إلى النظام، لا يُراد منه تعطيل المشروع، بقدر ما يُراد منه: تقييم الآلية التي طُبق من خلالها النظام، دون أن يمر عبر القنوات التشريعية، وفي مقدمتها مجلس الشورى؛ ليُدرس بتأن.
بداية، سأشيد بما ذكره سعادة مدير مرور الرياض العميد عبد الرحمن المقبل قبل أيام، عندما قدّم عرضا مرئيا أمام نائب أمير منطقة الرياض الأمير سطام، أشار فيه إلى انخفاض متوسط سرعة المركبات في الرياض، بنسبة تصل إلى «33 %»، منذ بدء تطبيق نظام ساهر. وانخفاض نسبة المركبات المخالفة، من « 32.2 % إلى 2.3 % « فقط. وانخفاض عدد الإصابات الناجمة عن حوادث السير، بنسبة «15.8 %»، وعدد الوفيات بنسبة «31.4 %» في السنة الأولى لتطبيق النظام. فهذه الأرقام في تقديري، أظهرت تراجعا كبيرا في التجاوزات المرورية، وساهمت في الحفاظ على الأرواح البشرية، والممتلكات العامة، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على جودة مستوى السلامة المرورية، وتدعيم الأمن العام، بما يُحافظ على المصلحة العامة.
في المقابل، سأتجاوز الحديث عن موضوع التوعية بالتعريف بنظام ساهر، وأنها لم تكن كافية بالشكل المطلوب؛ لإيصال المعلومة، وحتى تكون عملية القيادة الآمنة، مسألة ثقافة يحملها قائد المركبة بوعي. وهذا ما جعل كثيرا من الناس، يعتقدون أن الهدف من النظام، هو: ضبط مخالفات السرعة فقط، والاكتفاء بها. بل إن الأمير مقرن بن عبد العزيز، تحدث في إطار تصريحات له عن التعاملات الإلكترونية ذات مرة، فقال: المرور ليس مجرد نظام ساهر، بل لديه خدمات أخرى، وحتى نظام ساهر أنا على خلاف مع آلية تطبيقه الحالية، حيث أخبرت القائمين عليه، بأنه: إذا كان القصد من هذا النظام زيادة حصيلة وزارة المالية منه، فهذا أمر آخر، أما إن كان الهدف من النظام سلامة المواطن، فيجب توضيح موقع الكاميرا أمام السائق على الطريق. وهي مسألة أخرى، لا يُحسن أن نتجاوز الحديث عنها، دون الإشارة إلى موضوع: تخفّي كاميرات المراقبة التابعة لنظام ساهر المروري في العديد من الطرق، والشوارع بشكل غير واضح في البعض منها، وهو ما يطرح تساؤلا مهما، عن مدى مشروعية هذه الطريقة من الناحيتين الشرعية والنظامية.
أيضا، تحديد السرعة في الطرقات، يُثير تساؤلا مهما عن ماهية المعايير التي بموجبها يتم تحديد السرعة، سواء على الطرقات السريعة، أو الداخلية. بل في بعض الأحيان، لا يتناسب توزيع السرعة على طريق واحد وبأرقام متفاوتة، مما أثار التشتت في الانتباه، وأوقع الكثير في تجاوزات هم في غنى عنها، والمطالبة بالتأكيد على وضع لوحات إرشادية، تُرشد السائقين للسرعة المقررة على الطرق.
كنت سأصرف النظر عن تصريح أحد المسؤولين في إدارة مرور جدة، حين أوضح أن الحفاظ على النظام: هو الهدف الأساس من تطبيق نظام ساهر، الذي سيُفعل في المرحلة المقبلة بشكل أكبر، وأوسع نطاقا، وأنه لا يبحث عن زيادة عدد المخالفات، إلا أن الانطباع العام لدى جمهور الناس، هو اعتبار النظام نظام جباية، يهدف إلى جمع الأموال، حيث إن النظام يعمل تلقائيا برصد المخالفة، ورفع الحد الأدنى لمبلغ المخالفة المرتكبة إلى الحد الأعلى، إذا لم تُسدد بعد مضي المدة المقررة، وهو ما أثار مسألة: مضاعفة المخالفات المرورية، وأنها حرام، وربا، واكتسب الأمر أهمية عندما أكد مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، على أن مضاعفة المخالفات المرورية رباً, وعلى الأجهزة المعنية البحث عن قنوات أكثر، وأيسر؛ لتحصيل المبالغ المتأخرة، بدلا من مضاعفة الغرامة, مما استنزف جيوب الناس، ومدخراتهم، التي تئن أساسا من تكاليف المعيشة.
قبل أن يجفّ قلمي، سأكتب: أن نظام ساهر لا يزال بحاجة إلى مزيد من الدراسة المتأنية، والاستفادة مما مضى؛ للخروج بخطة متكاملة للتطبيق الأفضل، وإيجاد بيئة مرورية آمنة، وتحقيق التكامل الأفضل بين أطراف العلاقة المرورية، فهل نحن فاعلون؟.
drsasq@gmail.com