كان قد مضى عليه وقت طويل في مصحة الأمراض النفسية.. ورأى الأطباء بأنه لم يعد يعاني من حالة الهيجان التي كانت تنتابه كثيرا.. منذ عدة شهور وهو لا يلتفت إلى احد إلا للضرورة القصوى كأن تكون هذه الضرورة متعلقة بالحياة: كالطعام والماء والدواء. وذات يوم تشاور الأطباء في أمره.
قال مدير المستشفى النفسي:
- رأيت اليوم أن أحدثكم بشأن أقدم مرضانا.. ذلك العجوز الخمسيني
قال ذلك وتوقف فجأة ليبتلع ريقه وأردف:
- الخمسين عمرا متوسطا إلا أن العمر في المشافي النفسية يتضاعف كما تعرفون..
قال أحدهم:
- نعم ياسيدي إنه شخص آخر، أصبح يميل إلى الهدوء والسكينة والسلام..وأصبح أمر خروجه من هنا مشروعا.
ابلغ الطبيب مريضه بأن المستشفى يجري اللمسات الأخيرة لإطلاقه وهنا كانت المفاجأة. صرخ المريض:
- لا يادكتور لا
- ولماذا؟
- لأنني لا ادري إلى أين أذهب،
- ستذهب إلى عملك السابق.. ستعود مربيا للأجيال كما كنت وسوف ننسق لذلك نحن..أتمنى ألا ينشغل بالك في شيء»
نظر الرجل إلى الطبيب وقد احمرت وجنتاه وارتعدت فرائصه وجحظت عيناه
- لا لن أعود مربيا أبدا
- وماذا في ذلك؟
- لأنني كرهت هذه المهنة.. كرهتها.
جثى نزيل المستشفى على ركبتيه وراح يتعلق بتلابيب الطبيب ومن فمه ينطلق صوتا يشبه النحيب
- أرجوك لا.. لا.. لاتعيدوني إلى المكان الذي تسبب في ضياع عقلي
- ولكن كيف يمكننا أن نساعدك؟
- دعوني وشأني.. أفضل البقاء هنا على أن أعود إلى تلك المهنة
- هذا ليس حلا ياصديقي.. وعلينا كجهة مختصة أن نبحث عن حل
- يمكنني الموافقة على أي شيء.. أي حل يناسبني سوى العودة إلى ذلك الجحيم.
توقف قليلا ثم أقعى، مبحلقا..ومستدركا الحديث:
- ها ياسيدي أتعرف ماذا يمكنني أن اعمل؟
- طبعا لا!!
- اسكافي ياسيدي.. نعم يمكنني ذلك أنا أجيد استقبال الأحذية، وتوديعها.. انظر إليّ ياسيدي.
نظر الطبيب إليه فرآه يلتقط خيطا رفيعا من الأرض ويستدير بخفة وهو يقول:
- أعطني حذائك.. ظهرت على وجه الطبيب علامات الاستغراب:
- أرجوك ياسيدي أعطني حذاءك.. الآن يمكننا أن نبدأ
ودون إن يتحرك الطبيب، شاهد مريضه وهو يقيس طول الحذاء وعرضه وارتفاعه.
قال الطبيب وهو يحرك رأسه
- لم تشف إذا