قد لا يعرف البعض أن دعم بعض دول الخليج وخصوصاً المملكة العربية السعودية ودولة الكويت إلى سوريا إبان كانت أمل العرب وقلعة الصمود والتصدي، كان يقتصر على الدعم المادي فقط، ذلك الدعم الذي كان يتدفق عليها منذ النكبة (1948) وإلى ما قبل الأحداث الدامية الأخيرة وبشكل مستمر. وذلك لأن هنالك دعما آخر بالمقاتلين من أبناء البلدين الخليجيين منذ التاريخ المشار إليه آنفا. وقد لا يعرف البعض أن المملكة قد أرسلت بعد النكبة (48) جيشاً من المجاهدين السعوديين للاشتراك مع إخوانهم السوريين الذين استشهد الكثير منهم ووقع في الأسر الإسرائيلي مجموعة منهم أمثال مجموعة (أخو عنقاء العنزي) الذي حرر رفاقه من الأسر بحيلة بارعة إذ أبدى أمام المجندة الإسرائيلية التي كانت تحرس الأسرى السعوديين أنه مجرد مخبول يثير الضحك لا أكثر لدرجة أنه طلب منها يوماً بندقيتها ليريها كيف يتدرب السعوديون على حمل السلاح وفي حالة (انشكاحية) للمجندة ناولته البندقية ووضعت ساقاً على ساق وأشعلت سيجارتها لتضحك على تصرفات هذا المخبول البدوي الأحمق الذي بدا لها أنه لا يعرف شيئاً في الحياة ولكن أخا عنقا حينما أمسك البندقية سرعان ما وجهها إلى صدر المجندة المغرورة وطلب من أحد رفاقه تقييدها بالحبال وتكميم فمها بمنديل ثم دعا رفاقه إلى الهرب بأقصى سرع وتسلق أوعار الجبال، وقد عاش أخو عنقا بطلاً يتجول في أنحاء المملكة وهو يحمل مسدسه إلى أن مات في السنوات الأخيرة. وأجزم أن أغلب سكان المملكة يعرفون (أخا عنقا) جيداً فمن لم يره فقد سمع عنه.انتهى..
بالطبع لست أدري كيف قفز وجه أخي عنقاء أمامي وأنا أكتب هذه المقالة ليأخذ مساحة منها رغم فرحي بحضوره البهي وبشاربه الغليظ وعينيه المتقدتين دائماً بالشرر و(المراجل) ليثبت للقارئ ما أسلفت عن أول المجاهدين السعوديين الذين شاركوا إخوانهم السوريين في معارك النكبة الأولى. أما مشاركة المقاتلين السعوديين الثانية على الجبهة السورية فقد كانت إبان حرب الاستنزاف التي امتدت من نكسة 1967 إلى حرب تشرين (1973) وقد أبلوا بلاء حسناً وسقط منهم العديد من الشهداء وامتزج الدم السعودي مع شقيقه الدم السوري على جبهات القتال.
وظل (اللواء السعودي) مرابطاً على الجبهة السورية هو وشقيقه اللواء الكويتي حول قريبة (كناكر) التي اجتاحها الجيش السوري - لا الإسرائيلي (!!) قبل أيام وأعمل فيها الخراب والقتل والدمار!!
ولست بحاجة هنا لأن أذكّر القارئ لا سيما من كان في سني أو أكبر بتلك القصائد الكوميدية الساخرة التي تبادلها اللواءان (السعودي والكويتي) حول تلك القرية الخالدة مما أجبر القيادتين الشقيقتين على إصدار قرار حربي بوقف (القصف الشعري) المتبادل بين اللواءين لكي لا يتمادى (بعض السفهاء) بشق الصفوف على الجبهة.
ولعل أشهد هنا شهادة حق تاريخية وقد عرفت تلك الجبهة جيداً آنذاك أن القادة السوريين كانوا كثيرو الإشادة بتكتيك اللواء السعودي المرابط على الجبهة من حيث التحصين والأداء ودقة التصويب تماماً كما أشادوا بمدفع كويتي - أعتقد أنه من صنع يوغسلافي إن لم تخنّي الذاكرة لأنه حينما (يرطن) تخرس الجبهة الإسرائيلية من أقصاها إلى أقصاها فلا تُطلق طلقة واحدة!! لذلك أسماه الجنود السوريون (أبورديّن) تأسياً بأغنية شعبية رائجة في تلك الأيام للفنان السعودي الراحل (ذياب مشهور).
بالطبع كل ما قلت ليس فيه (منّة) فهو واجب الشقيق نحو شقيقه حتى لو لم يطلب منه ذلك على عكس ما يحدث هذه الأيام في سوريا (العروبة) خصيصاً إذ يطلب الشقيق الأكبر خادم الحرمين الشريفين من الرئيس السوري أن يوقف جزر شعبه ولكن لا حياة لمن تنا دي!