لم يكن بوسع خادم الحرمين الشريفين العروبي والمسلم الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أن يقف متفرجاً وصامتاً أمام ما يجري في سوريا بأكثر مما مضى من أيام، أو أن ينأى بنفسه وبشعبه وبلاده عن هذا الذي نراه من قتل وسفك للدماء، من دون أن يُسْمِعَ - حفظه الله - صوت الحكمة والعقل إلى أشقائه في سوريا العروبة والإسلام، وبخاصة أنّ أعداد الشهداء يتزايد يوماً بعد يوم، دون أن تنفّذ الحكومة السورية الإصلاحات التي وعدت بها، والتي - ربما - لو سارعت في تنفيذها لأعطت فرصة للحل السلمي، بدلاً من أن يكون التعامل مع مظاهر الاحتجاج بالسلاح الذي لا يرحم.
***
في كلمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز مضامين كثيرة ورؤى مهمة ومواقف واضحة تضمّنتها رسالته إلى أشقائه في سوريا، فقد طالب بإيقاف آلة القتل وإراقة الدماء، مؤكداً أنّ ما يحدث في سوريا أكبر من أن تبرِّره الأسباب وأنّ المملكة لا تقبل به، وبالتالي فإنّ على دمشق أن تختار (بإرادتها) إما الحكمة أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع، وضمن ما يراه الملك عبدالله لمعالجة الحالة السورية أن تسرع الحكومة السورية في تفعيل إصلاحات لا تغلفها الوعود بل يحققها الواقع.
***
ولابد أنّ هذه الكلمة سبقتها اتصالات ورسائل كثيرة ومتواصلة من الملك عبدالله لثني القيادة السورية عن هذا الأسلوب غير المقبول في تعاملها المفرط باستخدام السلاح في قمع شعبها الأعزل، لثقته ويقينه بأن إيقاف مظاهر الاحتجاجات الشعبية التي تطالب بالإصلاحات على امتداد مدن ومحافظات سوريا الشقيقة لا يتم بهذا الأسلوب؛ ويأتي هذا الموقف من الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والسوريون شعباً وحكومة يعلمون مواقف المملكة مع سوريا في الماضي، ونضيف إلى ما قاله خادم الحرمين الشريفين بأنها مواقف داعمة ومساندة، لا نعتقد أنّ دولة غيرها وقفت مع سوريا على امتداد التاريخ كما هي المملكة، وهي اليوم تقف مع أشقائها في سوريا موقفاً يتمثّل في قيام المملكة بمسؤوليتها التاريخية تجاه ما يجري في سوريا.
***
لقد طالب خادم الحرمين الشريفين سوريا بأن تتصدّى لدورها التاريخي في مفترق طرق لا يعلم إلاّ الله ما ستؤدي وتؤول إليه، وأكد في كلمته التاريخية البليغة وقراءته لتداعيات الأحداث التي تمر بها الشقيقة سوريا، بأنّ المملكة ترى بأنّ تساقط الأعداد الكبيرة من الشهداء الذين أريقت دماؤهم ومثلهم تلك الأعداد من الجرحى والمصابين، ليس من الدين أو الأخلاق والقيم في شيء، وأنّ ذلك ليس مدخلاً يستطيع فيه العرب والمسلمون والعالم أجمع، أن يروا من خلاله بارقة أمل لإيقاف آلة القتل وإراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الأوان.
***
إنه نداء عاقل، ومطالبة تصبُّ في الصميم، ودعوة أخوية صادقة يغلّفها الحرص على سوريا وشعبها الأبي، تنطلق من زعيم تُجمع الأمّة على محبته واحترام مواقفه، ومن بلاد تحتضن الحرمين الشريفين ويتّجه المسلمون نحوها للصلاة خمس مرات، فلا تدعي يا سوريا - قيادة وحكومة - الفرصة تفوت دون أن تستجيبي لنصيحة عبدالله بن عبدالعزيز، وإلا فإن سوريا - كما قال خادم الحرمين الشريفين - مؤهلة الآن لأن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع، وهو ما لا نتمناه!.