العلماء الفضلاء يحرصون على نظم الحكم مرتبة في أقوالهم، بحيث يجعلونها في إعداد ليسهل على المتلقي حفظها وتكون من شواهد أحاديث المجالس الأدبية وغيرها من الاجتماعات التي تميز الحديث فيها بما هو مختصر مفيد، مما يروى عن السلف، منسوباً لمن اخترعه منهم.
روي عن الحسن بن سهل أنه قال للمأمون: نظرت في اللذات فرأيتها مملولة خلا سبعة هي:
خبز الحنطة، ولحم الغنم، والماء البارد، والثوب الناعم، والرائحة الطيبة، والفراش الوطيء، والنظر إلى الحَسَن من كل شيء.
فقال له المأمون: أين أنت من محادثة الرجال؟ قال صدقت هي أولاهن (1).
والحقيقة أنها لفتة متميزة من خليفة هو مثل في الذكاء والفطنة.
وليس أدل على ذلك من رغبتنا إلى مجلس يتحدث فيه عالم بما يلذ سماعه والاستفادة منه، أو أديب أو فقيه أو شاعر يشنّف الآذان بشعره أو باختياره.
أما ما نسبه الحسن بن سهل واستدركه عليه المأمون فجعله الأول من الثمانية للأهمية، وهي محادثة الرجال فهي ذات شأن عظيم وبخاصة إذا كان المتحدثون أدباء وشعراء حكماء، وذلك مثل قول الشاعر السكري:
وذكرني حلو الزمان وطيبه
مجالس قوم يملؤون المجالسا(2)
وعلينا أن نتصور قيمة مجلس يضم نخبة من الأدباء يتجاذبون أطراف الأحاديث الأدبية كيف تكون متعتنا به.
(1) الكشكول للعاملي 1/ 25، 26
(2) مجمع الحكم والأمثال لأحمد قبش ص68