لديَّ إحساس عميق أن السعودية لو كانت تتوقع ولو بنسبة ضئيلة إمكانية إصلاح النظام السوري، لكانت تريثت. بل إن الرياض أبقت الباب مفتوحاً لبعض الأمل المرجو، ولبصيص رشد الحاكم الأوحد في سوريا. لذا قامت باستدعاء السفير السعودي في دمشق للتشاور، بعد خطاب ملكي استثنائي، وهي خطوة أولى قد تتبعها خطوات في المستقبل القريب، بحسب مصادر مطلعة.
«الحدث أكبر من أن تبرره الأسباب»، هكذا أعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز، بشكل واضح لا يقبل المزيد من التسويف. فالموت ينتشر في كل المدن والقرى السورية، عبر جيش و»شبيحة» النظام السوري وقواه الأمنية المتعددة والمتشعبة.فأعداد القتلى في سورية يصل إلى الآلاف، كذلك عدد الجرحى ووضعهم الغائب عن الوصف. والحقيقة أن لا أحد يعرف فعلياً تفاصيل ما يحدث على الأرض؟، كيف يعالج المصابون؟، كيف يدفن الموتى؟، كيف يقذف بالشباب والأطفال من بيوتهم إلى مواقع مجهولة؟.. والمجهول يفوق شبح الموت ذاته.
حالة من الخوف واليأس، والرعب والمأساة، والإعاقة والفقد، تخلفها آلة قمع حادة، لا مشاعر لها، ولا تفهم الإصلاح وليست قادرة عليه، أو على استيعابه.
لنتذكر أن ما يحدث في سوريا، بدأ بمطالب خدمية في درعا واجهها النظام بقسوة، ثم خطفَ أطفالاً للسجن بسبب كتابة شعارات على الجدران، وصفت بأنها معادية.
لكن النظام الذي غادر - إلى غير رجعة على ما يبدو - الإنسانية والواقعية، ومحيطه الجغرافي، استمر في أسلوبه القديم في ظل ربيع عربي شاب ومتغير، كسر حاجز الخوف، ووصل إلى رفع سقفه للمطالبة بسقوطه، لكن النظام هناك، لم يأخذ أي شيء حوله بجدية، لم يفهم ماذا يريد الشعب، أو بالأصح لم يكن الشعب ضمن حساباته أبداً.
نظام بهذه الحالة والتركيبة والعدائية اتجاه محيطه ومواطنيه، وصل إلى طريق مسدود بفضل حساباته الخاطئة، كما قدرته المحدودة على الفهم، أو قد يكون هذا هو أصل تكوينه.
«مستقبل سوريا بين خيارين: إما الحكمة أو الفوضى»، و الحكمة غائبة في دمشق، والفوضى هي محصلة الفكر الأمني القابض على روح سورية، التي تحكم بعدد قياسي من أجهزة الاستخبارات والأمن المتواجدة في دولة واحدة في العالم.
الموقف التاريخي الذي أعلنه الملك عبد الله، كبير في اتجاهاته، وليس متفرداً فقط بالطريقة الإيجابية التي استقبل بها من قبل السوريين أنفسهم، أو من قبل المجتمع العربي والدولي. لكنه - أيضاً - في صدق وقفته التاريخية الاستثنائية، وتشكيله ودفعه لاتجاه جديد مباشر في السياسية الخارجية العربية.
إنه الوقوف مع الإنسان - المواطن - الشعب - (من الشهداء الذين أُريقت دماؤهم وأعداد أخرى من الجرحى والمصابين)..
فهذا الذي يحدث في سوريا اليوم ببساطة، (ليس من الدين ولا من القيم ولا الأخلاق).. كما قال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.