قصة جميلة.. يقول راويها:
(كنا في حفل عشاء مخصص لجمع التبرعات لمدرسة للأطفال ذوي الإعاقة، فقام والد أحد التلاميذ وألقى كلمة لن ينساها أحد من الحضور ما دام حياً، وبعد أن شكر المدرسة والمسئولين، قص علينا القصة التالية:
مررت أنا وابني بملعب حيث كان عدد من الأولاد الذين يعرفون ابني يلعبون لعبة البيسبول « ولمثلي ممن لا يعلمون عن هذه اللعبة فأعلى درجة من النقاط يتم تحقيقها بمرور اللاعب على أربع نقاط حول الملعب راجعاً للنقطة الأم التي بدأ منها».
سألني ابني «هل تعتقد أنهم سوف يسمحون لي باللعب؟ وكنت أعلم أنّ أغلب الأولاد لن يرغبوا في وجود شخص معاق مثل ابني في فريقهم. ولكني كأب كنت أعلم أنه إن سمحوا لابني باللعب، فإنّ ذلك سوف يمنحه الإحساس بالانتماء وبعض الثقة في أنّ الأولاد الآخرين يتقبّلوه رغم إعاقته..
واقتربت متردداً من أحد الأولاد في الملعب وسألته «ولم أكن أتوقع منه الكثير»، إن كان يمكن لابني «!!!!» أن يلعب معهم. ودار الولد ببصره، ثم قال نحن نخسر بست جولات، واللعبة في دورتها الثامنة أعتقد أننا يمكن أن ندخله في الدورة التاسعة ونعطيه المضرب..
وتهادى ابني «!!!!» بمشيته المعوقة إلى دكة الفريق، ولبس فانلة الفريق بابتسامة واسعة على وجهه وراقبته بدمعة فرح رقيقة والشعور بالدفء يملأ قلبي، ورأى الأولاد مدى فرحي بقبولهم لابني، وتحسن وضع فريق ابني خلال الجولة الثامنة ولكن بقي الخصم متفوقاً عليهم بثلاث جولات.
ومع بدء الجولة التاسعة أعطوا ابني قفازاً ولعب في أيمن الملعب، ورغم أنّ الكرة لم تأت عنده إلاّ أنّ سعادته وحماسه كانا واضحين لمجرّد وجوده باللعبة، واتسعت ابتسامته لأقصى حد وأنا ألوّح له من وسط المشجعين.
وأحرز فريق ابني نقاطاً إضافية وتقلّص الفارق إلى نقطتين، مما جعل الفوز ممكناً، وكان الدور على ابني ليمسك بالمضرب، فهل تتوقعوا أن يعطوه المضرب ويضيعوا فرصتهم في الفوز؟
لدهشتي أعطوه المضرب، رغم أنّ الكل يعرفون أنه من المستحيل أن يحرز نقاط الفوز، حيث إنه لا يمكنه حتى أن يمسك المضرب بصورة سليمة، ويكاد يستحيل عليه ضرب الكرة بصورة متقنة،
ولكن مع تقدمه لدائرة اللعب وإدراك لاعب الخصم أن فريق ابني «!!!!» يضحي بالفوز لهدف أسمى، وهو إسعاد وإثراء حياة ابني بهذه اللحظة التي لا تتكرر، قدم مفاجأة أكبر فتقدم عدة خطوات وألقى الكرة برفق لابني حتى يتمكن على الأقل من لمسها بمضربه،، حاول ابني ضرب الكرة ولكنه لحركته المعاقة فشل،، وخطا مدافع الخصم خطوات إضافية مقترباً من ابني ورمى الكرة برفق بالغ نحو ابني وضرب ابني الكرة بضعف وردها لخصمه الذي تلقّفها بسهولة،، وتوقعنا أن هذه نهاية المباراة وتلقّف المدافع من الفريق الخصم الكرة بطيئة الحركة وكان يمكنه أن يمررها لزميله في النقطة الأولى، وكان ذلك سيجعل ابني يخرج من المباراة التي تنتهي بهزيمة فريقه، وبدلاً من ذلك رمى المدافع الكرة فوق رأس زميله بعيداً عما يمكن أن يطوله أي من أعضاء فريقه، وبدأ الكل يصيح مشجعاً من مشجعي الفريقين ومن لاعبي الفريقين: اجر يا «!!!!» اجر إلى النقطة الأولى،، وكانت هذه أبعد مسافة يجريها ابني، واستطاع بصعوبة أن يصل للنقطة الأولى وترنح في طريقه على خط الملعب، وعيناه واسعتان حماساً وارتباكاً وصرخ كل من كان في الملعب اجري إلى النقطة الثانية، ووصل ابني إلى النقطة الثانية لأنّ لاعب الخصم بدلاً من أن يعوقه كان يعدل اتجاهه بحيث يصل للنقطة الثانية وهو يشجعه اجري يا «!!!!» للنقطة الثانية ! وكان الجميع يصرخون اجري.. اجري.. يا بطل.. اجري حتى النقطة الثالثة..
والتقط ابني أنفاسه وجرى بطريقته المرتبكة نحو النقطة الثالثة ووجهه يشع بالأمل أن يواصل طريقه حتى يحقق لفريقه النقطة الكبرى. وحين اقترب ابني من النقطة الثالثة كانت الكرة مع أحد لاعبي الخصم وكان أصغر عضو في الفريق، ولديه الآن في مواجهة ابني الفرصة الأولى السهلة، ليكون بطل فريقه بسهولة ويلقي بالكرة لزميله ولكنه فهم نوايا زميله المدافع فقام بدوره بإلقاء الكرة عالياً بحيث تخطت زميله المدافع عن النقطة الثالثة وجرى ابني نحو النقطة الثالثة وهو يترنح في حين أحاطه الآخرون راسمين له الطريق إلى نقطة الفوز وكان الجميع يصرخون اجري.. اجري.. يا بطل حتى النهاية، وبعد أن تخطي الثالثة وقف المتفرجون حماساً وطالبوه بأن يجري للنقطة الرابعة التي بدأ منها! وجرى ابني حتى النقطة الرابعة التي بدأ منها وداس على الموقع المحدد، وحياه كل الحضور باعتباره البطل الذي أحرز النقطة الكبرى، وفاز لفريقه بالمباراة.
في ذلك اليوم ساعد الفتيان من كلا الفريقين في إضافة قبسة نور من الحب الصادق والإنسانية إلى هذا العالم.
ولم ير ابني الصيف التالي، حيث وافاه الأجل في ذلك الشتاء، ولكن لم ينس حتى آخر يوم في حياته أنه كان بطل المباراة، مما ملأني بالفرح بعد أن رأيته يعود للمنزل وتتلقّاه أمه بالأحضان والدموع في عينيها فرحة بالبطل الرياضي لذلك اليوم !!!» وإلى لقاء والسلام.