في خضم الثورات العربية القائمة، يستفزك معارضو الفنادق بالخارج بأوداجهم المنتفخة وبدلاتهم الأنيقة وهم يتجشؤون بقايا وجبة ربما يعادل ثمنها الراتب الشهري لعشرة من المسحوقين داخل البلاد. تجدهم يتنقلون من استديو إلى آخر يتحدثون عن سير المعارك، وعن بطولة الثوار الأحرار، وهم ينتظرون الفرصة الذهبية ليقطفوا ثمرات كفاح المعدمين، والذين ربما لن يتغير في حياتهم شيء يذكر بعد أن تسقط الحكومة وتأتي حكومة غيرها.
لا زلت أتذكر مع بداية الثورة الليبية: كيف أن معارضاً خرج في إحدى القنوات مبتهجا، وقال بالحرف الواحد :» هذا آخر ظهور للعقيد، ولن تروه بعد اليوم، لقد أصبح من التاريخ»!. اتضح لاحقا أن هذا المعارض لا تربطه صلة ببلاده ولا بأوضاعها، ولا بقدرات قواتها العسكرية، والغريب أنه استمر يتنقل من بلد إلى آخر ومن فندق إلى فندق آخر، عدا موطنه الأصلي الذي يدعي وصلا به، وفي كل هذا كان يرفع عقيرته متحدثا عن عظمة الثوار الذين ربما لا يشتهي أن يتناول طعامه مع أحدهم؛ فهو من هو في الغنى والتقلب في الدمقس والحرير، وهم من هم بالعدمية والفقر.
المضحك في الأمر أن هذا المعارض قال مقولته تلك عن سقوط العقيد، في الوقت الذي كان المحللون الغربيون يتحدثون حينها بواقعية عن صعوبة مجابهة الثوار للقوات النظامية، وكيف أنهم سيواجهون صعوبة شديدة؛ نظراً لنقص الإمدادات وانعدام التدريب وغير ذلك من الأمور التقنية الأخرى، وهذه مفارقة عجيبة تعطي انطباعا شاملا عن نوعية معارضات الفنادق التي فقدت صلتها بأوطانها وبالواقع المحيط بها.
ذكرني هذا المعارض بمعارضي العراق الذين لم يدخلوه إلا على فوهة الدبابة الأمريكية، واتضح لاحقا أن لا علاقة لهم ببلدهم ولا بأهله، كما اتضح أن كل المعلومات التي قدموها للمحتل كانت كاذبة أو مزيفة. وهذا لا يهم، فهدفهم الرئيس هو السلطة والمال بعد زوال النظام، وآخر ما يفكرون فيه هو مواطنهم الذي انتهت علاقتهم به منذ أن غادروا وطنهم.
إن الهم الوحيد لكثير من معارضي الفنادق هو المال وما يجلبه من عيش رغيد، ولذا تم رفضهم من قبل الشعب، ودخلوا منذ ذلك الحين إلى مزابل التاريخ غير مأسوف عليهم.
نعم، قد يكون هناك قلة من المعارضين الصادقين، وهم غالباً لا يغادرون أوطانهم، ولكن الأغلبية في طول البلاد العربية وعرضها يجلبهم الأصفر الرنان في الديار البعيدة، وكثير منهم مستعد -للأسف- أن يبيع كل المبادئ والقيم لأجل ذلك، ولذا، فإن مصداقيتهم معدومة في كثير من الأحيان.
لا زلت أذكر أثناء الثورة المصرية كيف أن أحد رجالات النظام كان متوترا أثناء الثورة، فهو لا يدري ما الذي سيحدث، وهو يريد أن يكسب في كل الأحوال، ولذا فقد كان يأتي بين الفينة والأخرى إلى ميدان التحرير ليغازل الثوار، ولكن كان واضحا حينها أن قلبه كان معلقا في قصر العروبة، وكم كانت دهشته حينما اكتشف - بعد سقوط النظام- أن حيلته لم تنطلي على البسطاء كما في سالف الأزمان، ويبدو أنه لم يفق من صدمته حتى اليوم.
وختاما، مؤلم جدا أن يموت خلق كثير، وتترمل نساء من جراء ثورة يقوم بها الفقراء طلبا للعدالة، ثم يأتي معارض فندقي انتهازي ويقطف الثمرة بعد أن يكون قد عقد صفقة من نوع ما مع من أكرمه من أهل المصالح، الذين لا يهمهم مواطن الداخل من قريب أو بعيد. ومؤلم أكثر أن يستمر هذا الانتهازي في إذلال أبناء وطنه إرضاءً للغريب.
فاصلة:»
(إنني أفضل أن أكون انتهازيا وأكسب، على أن أغرق وأنا مثقل بأحمال القيم والمثل العليا!)...
ستانلي بولدن.
amfarraj@hotmail.com