مشكلة المسلمين، وبالذات العرب منهم، أن يجعلوا (من الحبَّة قُبَّة) ثم ينصبوا مكرفونات الكلام العالية الصوت باعتبارهم (ظاهرة صوتية) فوق تلك القبة ليبدأوا بعد ذلك بشتم من صنع الحبة و(لعن سنسفيل) أبيه وجده وأصله وفصله ودينه وطائفته، مهما كان، وبالطبع يصاحب ذلك كالعادة تهديد بالقتل والويل والثبور وعظائم الأمور لمن صنع تلك الحبة التي أصبحت قبة، والتي تكبر شيئاً فشيئاً كلما أوغلوا في الشتم والتهديد. وهذا الأمر الذي يتم بهذه الطريقة (الغبية) يجعل هذه القبة المرتسمة في الذهن العربي المضلل الواهم أن تكون مرئية من جميع سكان العالم، ولأن العالم يدرك أنها (حبّة) لا تستحق كل هذه الجوقة من الشتائم والتهديد فإننا بذلك فقد أهدينا وبطريقتنا الجاهلة تلك إلى العالم صورتين قاتمتين عنا، فالأولى تثبت أننا إرهابيون فعلاً (لأننا نهدد بالقتل) والثانية أننا مبالغون، أما الفائدة التي قدمناها للأعداء فهي أننا قد عملنا دعاية مجانية دولية لتلك الحبة فأصبح من (لا يشتري يتفرج) على هذه المسخرة. وذلك لأن (المسخرة/ التهديد) لا تطال الجهة الإعلامية التي صنعت الحبة بل تطال الدولة التي تصدر منها تلك الوسيلة الإعلامية؛ لأننا نجهل أن أغلب دول العالم الغربي لا علاقة للدولة بالإعلام فيها على الإطلاق باعتباره إعلاما حرا، ولا تسمح قوانين الدولة بالحد من حريته، وأن يحس بأي ضرر إعلامي يقع عليه فما عليه سوى التوجه للمحكمة لمقاضاة الوسيلة الإعلامية ليأخذ حقه شاملاً كاملاً وغير منقوص البته، وبقوة القانون لا (بقوة الكلام والتهديد) وذلك لأن الكلام والتهديد يؤديان إلى خسران القضية مهما كانت عادلة، وهذا هو أسلوبنا الغوغائي دوما في التعامل مع إعلام الغرب والدول التي ينطلق منها هذا الإعلام و(ليس لها دخل فيه) إلا عن طريق القانون.
بالطبع كل ما أسلفناه هنا مبعثه الأساسي هو التصرف الحضاري الصحيح الذي اتخذه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية تجاه صحيفة الاندبندت التي تصدر من لندن - وهي بالمناسبة - من أكبر صحف الغرب وأكثرها انتشاراً والتي اتهمت وافترت إن لم نقل زوَّرت عن طريق محررها الشهير (روبرت فيسك) قراراً أدعت أنه صادر عن الأمير نايف، ويأمر فيه رجال الأمن بإطلاق الرصاص!! ولأن الأمير نايف واثق من نفسه كل الثقة ويملك رؤية إعلامية عميقة وشاسعة. ويعرف كيفية التعامل مع الإعلام بأسلوب نادر قلما يجيده أي مسؤول عربي فقد عامل الصحيفة اللندنية حسب نظام بلادها ورفع قضية ضدها، وبالتالي كسب القضية مع التعويض المادي والاعتذار.
ولعل الجميل في الأمر أن الصحيفة لم تهاجم الأمير نايف لأنه هزمها أمام الحقيقة والقضاء مثل (بعض) صحفنا العربية المسعورة والتي عاشت على الابتزاز والتهديد والارتزاق، بل اعتذرت واعترفت بالخطأ الذي ارتكبته ونشرت ذلك على صفحاتها بكل رحابة صدر، ولعل الأجمل من ذلك هو تبرع سمو الأمير بمبلغ التعويض إلى الجمعيات الخيرية.
يبقى القول أخيراً.. آه لو أن بعض المسؤولين العرب يتخذون مثل هذا الأسلوب الراقي مع الإعلام لا أن يكذبوا على أنفسهم وعلى شعوبهم وعلى العالم في وضح النهار؛ بينما أجهزة الاتصال الحديثة تنقل الحقيقة من خلفهم وهم يتحدثون، بل تمد لهم اللسان وتسخر!!