جناية الثقافة العربيــــة، أو الموروث الأدبي والتاريخي على تشــكيل شخصياتنا، وعلى أحاسيسنًا تجاه الآخرين كبيرة، وتأخذ وجوهًا وأشكالاً مختلفةً، وأساليب متباينة، ولا نجد حرجًا حين نعتقد أنها ميراث حقيقي لا ينبغي لأحد المساس به، أو التعدي عليه، حتى بات عدّها من الخصوصيات إن لم يكن من الثوابت، مع يقيننا التام أن بعضها أمجاد زائفة، تختلط فيها الحقائق بالأساطير، ذلك الشعور بجنون العظمة ورّط أجيالاً كثيرةً، وجلبت عليهم العداوات، وبات العدو يخاطبنا بتلك النبرة، سخريةً، واستهزاءً، وتهكمًا، ويظهرون أمامنا الأسى والأسف على افتقاد مجتمعاتهم تلك النزعة العظيمة، المولّدة للكبرياء:
إذا بلغ الفطام لنا صبيّ
ٌتخرّ له الجبابرّ ساجدينا
ونشرب إن وردنا الماء صفوًا
ويشرب غيرنا كدرًا وطينا
ونحن التاركون إذا سخطنا
ونحن الآخذون لما رضينا
- هذا شعور فرد من عدة أفراد، وشاعر من عدة شعراء من قبائل مختلفة، يقولون ما لا يفعلون، تأمل، واستقص كم وردت، ونحن، ونحن، ونحن.... بطبيعة الحال نكبر ويتعاظم هذا الشعور المتغطرس والزائف في ذواتنا، نعم في ذواتنا فقط، أما عند الغير، فقد اكتشفونا منذ قرون عدة، وتعاملوا معنا بمنطق العقل.
- كنت أعتقد أن هذه الثقافة المتورمة لا تتجاوز تخوم الجزيرة العربية، بوصفها المهد الأول للعربية، والمحضن الأساس الذي احتضن أرباب هذا الفكر من العصور الجاهلية ومرورًا ببعض الأعصر التاريخية الماضية، لكننا فوجئنا بتصديرها واجترارها مع فلول المهاجرين، وفي قارات أخرى، نزحت بعض قبائلها وقياداتها من الجزيرة العربية، وقدّر لبعضها أن تسود هناك بأي شكل من أشكال السيادة، وربما كانت رياح التغيير التي عصفت ببعض البلدان العربية جلت شيئًا مما أوردت.
- أمام الأحداث الكبيرة يجدر بالشعوب مراجعة ثقافتها، ووضعها على المحك، ومحاولة التجديد في منطلقات أطروحاتها بصورة تساير الواقع، ولا تتصادم معه، ولا تحاول بأي صورة من صور التعبير التغرير بالنشء، أو حشوه بطموحات وآمال وأحلام تجعله يلهث خلف سرابها، ويروّح عن نفسه في خلوته، وتحت وقع مصائبه ببعض أدبياتها:
إذا غضبت عليك بنو تميم
حسبت الناس كلّهمُ غضابا
- من عيوبنا التي لن تغتفرها الأجيال لنا ذلك الاهتمام المفرط في رسم صورة ذهنية متكاملة، يكفي أن نجد لها قبولاً ورواجًا وتفاعلاً مع بني جلدتنا، أما كيف هي صورتنا عند الغير فأمرٌّ لا يؤبه به. جميل أن يعتز الإنسان بثقافته وتاريخه المضيء ويحافظ عليه من الاندثار، أو التشويه، لكن أن نخادع النفس، ونمنيها ببعض الأماني، أو نسترجع أدبيات كانوا يترنمون بها، وهم يدافعون عن مراعيهم، أو موارد مواشيهم، أو يتفاخرون بقطع الطريق، وسلب القوافل، فذلك هو عين الخطأ.
dr_alawees@hotmail.com