تختلق بعض وسائل الإعلام المصرية، قصصا خيالية، تتحول مع مرور الوقت إلى (حقائق) يتداولها العامة، لم يعد الإعلام المصري كما كان سابقا، فالأحداث الأخيرة، والتجاذبات السياسية في المنطقة، أثرت سلبا على مهنيته، ودفعت به إلى مستنقعات المصالح الخاصة، بعيدا عن المصالح الوطنية. إعلام ما بعد الثورة أُبتُليَّ بالتجاوزات الإعلامية، ونشر الشائعات والأكاذيب، والتطاول على الدول وتعكير صفو العلاقات بين الدول العربية والإسلامية.
يبدو أن السعودية باتت تستأثر بنصيب الأسد من الشائعات والأكاذيب المهيجة للشارع المصري، والتي تستهدف العلاقات السعودية المصرية بشكل خاص. «تمويل الجماعات السلفية في مصر» بأكثر من 4 مليارات دولار كانت آخر، وأخطر الشائعات الموجهة ضد السعودية، وحكومتها الداعمة لاستقرار مصر وليس العكس. تحويل 4 مليارات دولار لا يمكن أن يتم بعيدا عن شبكة التحويلات الدولية، وهي شبكة مُراقبة دوليا. يستحيل على الدول، والمحترفين في الشؤون المصرفية إخفاء حوالة خارجية بأربعة دولارات، فكيف بـحوالة ضخمة يفوق حجمها 4 مليارات دولار؟
استخدام عملة أجنبية في التحويلات الدولية بين الدول، المصارف، والأفراد، يعني حتمية تغطيتها من حسابات أجنبية تخضع لمتابعة البنك المركزي للدولة المُصدِرة لعملة التحويل، وهو البنك الفيدرالي الأميركي، الذي يمتلك من السلطات المالية الدولية ما يجعله مُسيطرا على بنوك العالم وليس البنوك الأميركية فحسب. المراقبة الدولية، وقوانين مكافحة تمويل الإرهاب تحول دون تمكن الدول والأفراد من إخفاء بيانات مالية، وتحويلات دولية مؤثرة. نجحت الاستخبارات الأميركية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ في جمع تفاصيل دقيقة عن حوالات بنكية لمتهمين لم يتجاوز بعضها ألف دولار أميركي؛ وكشفت عن تحويلات وتناقلات أموال بين جماعات إسلامية وأفراد حول العالم؛ لم يكن الأمر عسيرا، فالقيود المصرفية يمكن الرجوع إليها بسهولة، وإثبات العلاقة المالية المستهدفة، التي لا يمكن إخفاؤها، أو ضياعها بالتقادم.
أُكذوبة تحويل 4 مليارات دولار أكبر من أن يُصدقها عقل، إلا أن إعلام المصالح الضيقة، نجح في تحويلها إلى حقيقة صفراء أضرت بسمعة المملكة، ومصداقية الإعلام المصري. ترويج الشائعات المُضرة بالعلاقات السعودية المصرية لن يتوقف طالما أن بعض وسائل الإعلام المصرية، وبعض الشخصيات السياسية والحزبية باتت على علاقة متميزة بالمرشد الأعلى في إيران وحكومته، وبعض الأطراف الخارجية. المال الإيراني القذر الذي نجح في زرع مذهب «الولي الفقيه» في أهم معاقل السنة، سينجح لا محالة في تغيير الحقائق، وإظهار الأخ الشقيق المُنصِح بصورة العدو، والشيطان في هيئة الإنسان الصالح!.
الدكتور كمال الهلباوي، المتحدث السابق باسم «إخوان أوروبا»، والتنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين في الغرب، سافر إلى طهران مرتين في فبراير الماضي، والتقى المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، والرئيس نجاد، وقال في حضورهما: «الجمهورية الإسلامية في إيران نموذج يحتذى به في كل شيء، في العدل وفي جمع السنة والشيعة، وفي حقوق الإنسان واحترام كل البشرية وقيادتها»!؛ مثل هذا القول لا يمكن لـ «إخواني» القول به عن قناعة، خاصة مع اضطهاد السنة في إيران، وقتل علمائهم، ومنعهم من بناء المساجد، وإقامة الجُمعة، وحرمانهم من أبسط حقوقهم المشروعة. استشهدت بتحولات الدكتور الهلباوي الفكرية للتأكيد على قدرة إيران على اختراق الصفوف العربية التي كنا نعتقد بتحصينها مذهبيا، وسياسيا، حتى تهاوت أمام المال الإيراني القذر. تهمة تمويل الجماعات السلفية التي وجهها الإعلام المصري للسعودية، إضافة إلى شائعات أخرى أكثر خطورة، ومنها التدخل في سير محاكمة الرئيس وأبنائه، وسحب الاستثمارات، لا تعدو أن تكون لبنة من لبنات المخطط الإستراتيجي التخريبي في المنطقة؛ فتدهور العلاقات السعودية المصرية، وزرع الفتن بين الدول العربية يصب في مصلحة المخطط الإيراني الذي غاب خطره عن أعين الإعلام المصري المُنشغل بمعاداة الأشقاء، وتوفير كامل الرعاية لأعداء مصر والأمة.
لماذا لا تتهم إيران بتمويل الجماعات السلفية، والجماعات الأخرى مع وجود القرائن الدامغة، والاعترافات الصريحة؟! أسأل دون أن أُجيب، فالأمر أكثر وضوحا للعقلاء!.
إعلام ما بعد الثورة، وبعض القيادات الشعبية يقودون مصر إلى المجهول؛ ويسعون في إقصائها عن محيطها العربي خدمة لمصالح الآخرين؛ أو جهلا بمآلات الأمور!. موجة الشائعات الموجهة، وحملات الصحف الصفراء المعادية للسعودية والسعوديين لن تتوقف، وإن ووجِهَت بالحقائق الدامغة؛ فالكذب ديدنها؛ والتجني على السعودية هدفها، إمعاناً في غرس بذور الشقاق بين الدولتين، وإقصاء مصر عن عمقها العربي تحقيقا لمصالح الآخرين.
f.albuainain@hotmail.com