حتى وبعد أن تم تغيير الحاكم في مصر لم يكن أحد يتصور أن يُجلب رئيس الجمهورية السابق على سرير نقال ليمثل أمام المحكمة.
المصريون أنفسهم فوجئوا بذلك، فعلى الرغم من التأكيدات التي أطلقها أكثر من مسؤول في المؤسسة القضائية بمصر، بأن محاكمة الرئيس السابق ستتم وبحضوره، إلا أن الكثيرين كانوا يتوقعوا حصول مفاجأة أو تطور ما يمنع مثول الرئيس أمام المحكمة، وفعلاً حصلت المفاجأة وهو مثول الرئيس السابق وعلى سرير.
الشيء الذي لاحظه من تابعوا المحاكمة وراقبوها بدقة هو سلامة الإجراءات ورقي التعامل بين رئيس المحكمة والمتهمين الذين كانوا في يوم ما لا أحد يرفع صوته أمامهم، فقد ردَّ الرئيس السابق على رئيس المحكمة لإثبات حضوره (أفندم حاضر) وهذا منتهى الرقي ويؤكد أن القضاء المصري محترم حتى في الخصومة، كما يظهر أن حسني مبارك لا يزال يحترم القضاء الذي حماه في عهده ودافع عنه.
محاكمة مبارك وهو على هذه الحالة من الضعف والإعياء والمرض وصورته على سرير نقال، تؤكد أن الثورة في مصر نجحت وأن الشباب يوجهون بوصلة البلد نحو التغيير، وأنه حتى وإن (فرملت) حكمة الشيوخ اندفاع الشباب إلا أن إرادة الشعب الذي يمثله الشباب هي الغالبة في النهاية، ورغم قلة الخبرة السياسية والاندفاع الذي يتميز به نشاط الشباب عادة إلا أن بدء محاكمة مبارك والصورة التي ظهر عليها تؤشر لبداية جديدة لعودة الحياة الطبيعية لمصر، إذ إن قناعة القطاع الأكبر من الشعب ومنهم الأغلبية من الشباب بأن الثورة تسير في الطريق الصحيح، وأن من أوصلوا مصر إلى الحالة البائسة التي عليها الآن سيلقون الجزاء، ممن ارتكبوا جرائم القتل والفساد المالي والفساد السياسي، فبعد مثول الرئيس السابق وهو على الحالة المرضية التي شاهدها الجميع لن يكون أحد بمنأى عن المحاكمة ومحاسبته على ما ارتكب من جرائم وتجاوزات وهذا سيهدئ الشباب ويقنع المعتصمين في ميدان التحرير والميادين الأخرى في المحافظات المصرية من أن (ثورتهم) في طريقها الصحيح ويجعلهم يعيدون الأوضاع إلى طبيعتها وبالذات العودة للعمل والإنتاج اللذين إن لم يتلفتوا إليهما يكون كل ما قاموا به بلا معنى بل إضعافاً لمصر وقيادتها إلى وضع أسوأ مما هي عليه.