لعل عنوان هذا المقال يلقي ضوءاً على ما يتضمنه مشيراً إلى أني أنبش الذاكرة على هذه السطور لتمطر وجداً.. لكن الذاكرة هنا هي ذاكرة الأديب د. عبدالرحمن السدحان حيث يصرّح في كتابه الذي حمله عنوان هذا المقال بسيرته الذاتية التي حفزته ردود الفعل على الجزء الأول أن يكتب الجزء الثاني منها، حيث أكدت ردود الفعل وعدد القراء على أن أدب السير ما زال يحظى بالاهتمام والمتابعة رغم تحديات العصر وموائد الإعلام المقروء والمشاهد والمسموع.
لم يتوان السدحان في طيات هذا الكتاب عن الفيض حزناً أحياناً، أو الجهر بالصمود والتحدي أو المصالحة الوجدانية كما أسماها أحياناً أخرى بينه وبين الزمن الشاهد على معاناته التي علمته الصبر ومنحته الإيمان والتصميم.
ضمت هذه السيرة استعراضاً لإيقاع حياته في عدد من مدن المملكة بلغة أدبية أنيقة ومشوقة وفائضة بمفردات عذبة وذكريات تحمل من الفرح وضده ما تحمل من شجن، وكذلك من طرائف لا يخلو منها الكتاب، ومن تراث تمثل في شخوص ارتبطت بالمكان.
أسرتني لغة الحزن التي تحدث بها صاحب السيرة عن شعوره وهو طفل وفزعه لفراق والديه بالطلاق، والحنان الذي طفق في جهات عدة يبحث عنه فإذ به يحصل على قدر قليل من سعادة هاربة إليه شبهها بأنها مجرد مهدئات لآلامه التي رغما عنها كان يتحول بعض الأحيان كطائر تتقاذفه شلالات من الفرح لهدايا يقذف بها القدر إليه كرؤية السيدة الوالدة مثلاً.
كانت ذكريات الطفولة طاغية وتفاصيلها حاضرة رغم مرور سنوات طويلة قد آن لها أن تثقل الذاكرة فتطمس بعض تفاصيلها، لكن رغم كل شيء فقد فاضت ذاكرة كاتبنا بما يشوقنا لتتبع حرفه، ومن الأبواب التي شاقني تتبعها هي السفر جواً لأول مرة إلى مدينة الجمال والتضاريس المتنوعة.. لبنان، حيث استقر به المقام قرب البردوني.. الشريان المائي الخالد في قلب زحلة الجميلة الذي مثل للدكتور السدحان مشهداً جميلاً للحياة والخصب والفرح والربيع وعطر الصوت الفيروزي الذي يمثل رمزاً للبنان وترنيمة حياة.
الرحلة في ربوع هذا الكتاب تصحبك حيث حط كاتبها عصا ترحاله وحيث واجه الحياة بكل أطوارها وظروفها ساعياً للخروج من دائرة الخوف والقلق والصدمات أحياناً للتكيف معها بإرادة وإصرار واستجابة للقدر الذي سير حياته.
أديبنا المؤلف يؤمن بأن الحياة نفق إما نبلغ نهايته أو نتوه في متاهاته متعثرين بآلامنا وجراحنا أو بقدر الموت أو المرض، وقطرات من سحائب الذكرى سوف تتسرب بك إلى هذا النفق الذي ستجد في نهايته طاقة من نور تقودك إلى خارجه.
من آخر البحر
حين أحبك
يدخلك الله جناته
ويمنحني الصبر حين يثقلني هذا الحب
فلا أضل ولا أشقى
mysoonabubaker@yahoo.com