أمريكا غــنـية بمواردها البشرية، وغــنية بمـواردها الطبيعية، وغـنـية بجاذبيتها السياحية، وغــنية بـنظـامها الدستوري والقانوني، وغنية بتنوعها الثقافي والعرقي، وهي أكبر اقتصاديات العالم حيث يصل إجمالي إنتاجها الوطني إلى نحو خمسة عشر مليار دولار، وهي أكثر دول العالم تصديراً، قيمة وكمية، ووضعها الائتماني ما زال عالياً جداً، وقدرتها على الاستدانة ميسرة، وما زالت عملتها أكثر العملات رواجاً، وأكثرها استخداماً في التبادل السلعي، وأكثرها أماناً عند الكثير من المؤسسات المالية، وأكثرها ائتماناً، وأكثرها توفراً في البنوك.
ومع كل ما ذكر فالولايات المتحدة الأمريكية أكثر دول العالم استدانة حيث تصل ديونها إلى أكثر من أربعة عشر تريليون دولار، وهو رقم يكاد يماثل إجمالي الإنتاج الوطني لها، وهي أكثر دول العالم استيراداً، ومعدل نموها في الربع الأول من هذا العام نصف في المائة فقط، وهو معدل قريب من الركود الاقتصادي، وعدد العاطلين عن العمل نحو خمسة وعشرين مليون نسمة، والذين يعيشون في حد الفقر نحو أربعين مليون نسمة، وأكثر دول العالم استيراداً للنفط، مع أنها من أهل الدول المنتجة له، ولهذا فهي تعتمد اعتماداً كلياً على الدول الأخرى في مصدر طاقتها. وبعد أن ظهرت مشكلة الديون للولايات المتحدة الأمريكية كمشكلة تؤرق الساسة والمواطنين والعالم أجمع، أخذت وسائل الإعلام تتناقلها، وأصبح الناس يعرفون شيئاً عنها، مع أنها مشكلة قديمة إلا أن الفقاعة كادت أن تنفجر، فقد عاش اقتصاد العالم في ترقُّب لما سيحدث لو أن الولايات المتحدة الأمريكية عجزت عن الوفاء بديون مستحقة عليها لدول ومؤسسات مالية وأفراد، فكان نقاشاً طويلاً وصعباً في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون، ومجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، وأخذ الجدل يحتدم والنقاش يطول مع أن العارفين ببواطن الأمور، متأكدون أن الحزبين سوف يصلان إلى حل ما، لن يكون مُرضياً لأي طرف منهما رضاءً تاماً، وكان النقاش حول طلب من الخزانة الأمريكية لرفع مستوى الاقتراض بمقدار ترليونين وأربعمائة مليار، واشترط الجمهوريون أن تكون الموافقة لمدة ستة أشهر، وأن يرافق ذلك خفضٌ في الميزانية، وعدم رفع الضرائب على الشركات الكبيرة، ولا شك أن تحديد المدة بستة أشهر يرمي إلى الوقوع في المشكلة مرة أخرى قبل الانتخابات وهو ما يرفضه الديمقراطيون، وكان صراعاً سياسياً أكثر منه بحثاً عن أنجع السبل لتصحيح المسار الاقتصادي فهم يعلمون جميعاً أن الحلول الفورية لمشكلة الدين ممكنة، مع توفر الأدوات اللازمة، وما دام أن العالم ما زال يثق في قدرتها الاقتصادية والمالية، مما يجعلها تقترض ما تريد من مال بسهولة، وبأسعار متدنية، إلا أن تلك الثقة قد تشوبها شائبة إذا ما استمرت الولايات المتحدة في الإنفاق غير المتوازن، وهو إنفاق لا طائل ولا مردود من بعضه، مثل الإنفاق على الحروب، إن الديْن الأمريكي أصبح يُحسب بالدقيقة، وربما أن سعر الفائدة التي تدفعها الولايات المتحدة الأمريكية في أسبوع يوازي ميزانيات بعض الدول.
الولايات المتحدة ذات اقتصاد كبير، لكن الدولة ما زالت تنفق أكثر من دخلها وتعالج الفرق بالاقتراض، ويتراكم الدين ومن ثم تتضخم الفقاعة، وربما تنفجر في يوم ما، فيصبح العالم في مأزق كبير، وتفقد هيمنتها الاقتصادية، وتبدأ في العد التنازلي لتصعد دولة أخرى مثل الصين، والله أعلم.