Friday  05/08/2011/2011 Issue 14190

الجمعة 05 رمضان 1432  العدد  14190

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

سحابة مطر تلقي تحية ترحيب لزائر مدينة حباها الله طبيعة خلابة تخطف الأبصار.. وتسلب الألباب.. مدينة التقت فيها حضارة شرقية مع حضارة غربية في انسجام عظيم.. فما أن تطأ قدم الإنسان أرض هذه المدينة حتى يخيل له أنه بات في عالم ساحر له نكهة متميزة وفريدة امتزج فيها عبق التاريخ وأصالة الماضي مع روح العصر المتطور.. وتباهت أرضها بحضارات وثقافات تعود إلى آلاف السنين ولا زالت باقية تحكي قصة تاريخ الحضارة للأجيال.

إنها مدينة (القسطنطينية) إسطنبول أكبر المدن التركية، وأكثرها حيوية وتميزاً وذلك بسبب موقعها الجغرافي الذي جمع لها موطئ قدم في قارة آسيا مع قارة أوروبا بإطلالة بديعة على مضيق البوسفور من خلال جسر معلق تشعر وأنت تسير عليه وكأنك ترافق الشمس إلى عتبة الأفق حينما يتأهب الأصيل لوداع الطبيعة الساحرة. إسطنبول هذه المدينة التي تتربع على شواطئ مضيقٍ تختلط فيه مياه البحر الأسود بمياه بحر مرمرة والقرن الذهبي تشكل عصب الحياة الاقتصادية التركية.. وبوابة أوروبا على الشرق وتتمتع بتنوع زاخر وغير محدود تجعل الزيارة لها متعة لا تنسى.. فهي المدينة التي تصل الشرق بالغرب وتربط الماضي بالحاضر.. فالمسجد الأزرق مسجد (السلطان أحمد) بمآذنه الست، وطرازه المعماري الفريد، وتضاريسه الهندسية الأنيقة يتلألأ في سماء هذه المدينة معلناً نفسه شاهداً حياً على إبداع حرفية أصابع الإمبراطورية العثمانية.. وتلك المتاحف التي تضم كنوزاً إسلامية عظيمة إلى جانب قصور سلاطين الدولة العثمانية التي تتميز بزخرفاتها وهندستها المتقنة والتي تتيح للزائر التمتع بمشاهدة أروع وأجمل الفن المعماري للحضارة العثمانية.. هذا عدا الأسواق التقليدية التي تعد قبلة للباحثين عن التحف الشرقية والمشغولات اليدوية القديمة. وحقيقةً ما من زائر لهذه الأسواق إلا ويحرص على أن يتبضع منها، وما من سائح يتذوق من حلويات هذه الأسواق حلويات (الحلقوم أو مايسمى بحلويات الراحة) إلا ويخرج وقد حمل معه أنواعاً لا تعد ولا تحصى من هذه الحلوى، ناهيك عن القهوة التركية التي تأسرك بعبق رائحتها.. ولونها البني.. ورغوتها الذهبية الساحرة.

ولأن إسطنبول مدينة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، ويتعتق بها القديم بروح العصر الحديث لذلك نجد المعالم الحديثة لها نصيب في هذه المدينة فهناك المجمعات الكبيرة ذات الطراز الحديث، وهناك الأسواق التي صممت على هيئة (مترو أنفاق) وهناك الكثير الكثير مما يجذب الأنظار ويثير الإعجاب في مدينة طوقت واحتضنت التاريخ العظيم وقبّلتْ جبين الحاضر والعصر الحديث.

نقاط على حروف لجزئيةٍ مختصرة عن هذه المدينة العريقة كتبتها لتكون مدخلاً لما أهدف إليه في مقالتي هذه.. فالعديد من القضايا والأمور تحتاج إلى التأني والتروي العميق قبل الاندفاع العاطفي والفكري أوحتى السطحي لخوض مجال الكتابة فيها والغرق في جزئياتها والتي قد تكون في بعض الأحيان شائكة وبالغة التعقيد. إذن ماهي حكاية بائع لفائف الخبز الذي عنونت مقالتي باسمه؟.شوارع إسطنبول هي نقطة انطلاقة بائع لفائف الخبز والذي ولِد لأب يعمل ربان زورق في وقت كانت فيه تركيا تعاني جملة انقلابات في الجيش، بائع لفائف الخبز هذا هو رئيس الوزراء التركي (رجب طيب أردوغان) هذا الرجل الذي شُغِف قلبه بالسياسة منذ صغره فاستطاع أن يصل إلى منصب سياسي مرموق في زمن قياسي رغم تعرضه لسلسلة من العوائق والاعتقالات. تولى مقاليد (بلدية إسطنبول) بعد فترة قيادته للجناح الشبابي المحلي لحزب السلامة الوطني الذي أسسه (نجم الدين أربكان) وسطع نجمه بعد أن حول مدينة إسطنبول إلى مدينة الاستثمارات والأرباح، تفاعل كثيراً مع فئة العمال في هذه المدينة فرفع أجورهم، ومنحهم الرعاية الصحية والاجتماعية مما أكسبه شعبية لا مثيل لها.. يقال: إنه أُودِع السجن بسبب محاربته للعلمانية حيث قال: (إن العلمانية والإسلام لا يجتمعان في شخص واحد)، ولا أعلم صحة هذه المقولة ولكن على أثرها حُرم من الوظائف الحكومية ومن الترشح للانتخابات. في عام2001م تأسس حزب التنمية والعدالة بقيادة (عبدالله غول، ورجب أوردغان) بعد خروج الأخير من السجن، وفي بداية عام 2002م خاض أوردغان تجربة الانتخابات التشريعية ففاز بأغلبية ساحقة ولكن لم يتولَّ رئاسة الحكومة رغم فوزه الباهر بسبب تبعات السجن فرأس الحكومة بدلاً عنه رفيقه (عبدالله غول) إلى أن أُسقِط الحكم عنه في مارس 2002م عندها تولى مقاليد الرئاسة.. وقاد تركيا ومازال يقودها قيادة حكيمة واعية بتأييدٍ وثقةٍ من شعبه الذي أحبه.. فكانت له إنجازات رائدة ونجاحات كبيرة جعلت هذا البلد بلداً مواكباً لمسيرة الدول المتقدمة. (رجب طيب أوردغان) هذا السياسي المحنك الذي أمسك زمام الحكم في بلاده مراعياً مبادئ الديمقراطية والتنمية والعدالة أثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن القيادة التركية المتمثلة بحزب العدالة والتنمية قيادة نموذجية استطاعت أن تتخطى عقبات كثيرة كانت تهدد وجوده على الساحة السياسية. (رجب طيب أوردغان) له مواقف عظيمة عربياً وإسلاياً وعالمياً.. مواقف يُشار إليها بالبنان. فبعد توليه رئاسة الحكومة التركية بدأ شيئاً فشيئاً يدير ظهره لإسرائيل فقد ألغى مناورات (نسور الأناضول) مع إسرائيل وقرار الإلغاء كان احتراماً لمشاعر شعبه كما قال، كما أنه وجّه تهديداً شديد اللهجة لإسرائيل عندما تمت إهانة سفير تركيا في تل أبيب وطالبها بتقديم الاعتذار خلال أربعٍ وعشرين ساعة فحدث ما لم يتوقعه أحد!! انصاعت إسرائيل وقدمت الاعتذار خطياً فكانت ضربة قوية لتل أبيب.. ثم تلك المشادة الكلامية التي حدثت خلال فعاليات (منتدى دافوس) عام 2009م بين رئيس الوزراء التركي والرئيس الإسرائيلي والتي على أثرها خرج أوردغان من أروقة المنتدى غاضباً مما لفت هذا المشهد أنظار المراقبين فباتوا يتحدثون عن بوادر تحول في سياسة تركيا الخارجية.

وفي ظل التطورات والتحولات المتسارعة في الوطن العربي يبدو أن سياسة تركيا بدأت تبحث عن مجال حيوي لها في منطقة الشرق الأوسط.. ولكن السؤال: ما موقف الغرب وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية إن سعت تركيا إلى تحجيم وتقليص علاقتها معها وهي التي تعتبر أحد الحلفاء الإستراتيجين لها؟ وهل ستخسر أمريكا في يومٍ ما حليفاً قوياً يتصدى للأطماع الإيرانية والروسية في المنطقة؟ هذا ماستكشفه الأوراق في مستقبل الأيام.

 

عود على بدء
«إسطنبول»... وبائع لفائف الخبز
زكية إبراهيم الحجي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة