السفر والرحلات لها فوائد لا تحصى، فهي تدعو للتدبّر والتأمّل في هذه المعمورة وإضافة ثقافة جديدة عن طريق المشاهدة.. وإذا كانت داخل الوطن فهي تنمي المواطنة وترفع الرصيد المعرفي لأبناء الوطن عن بلادهم ولاسيما في وطن أشبه بقارة صغيرة كالمملكة العربية السعودية والذي كل يوم هناك اكتشاف حضاري وتاريخي في مساحته الشاسعة. ولقد كان لهيئة السياحة والآثار بقيادة ربانها الأمير الأمير سلطان بن سلمان (رائد الفضاء والسياحة) دور مهم وبصمة ذهبية في صناعة سياحة جميلة خففت من لهيب الصيف حتى في المناطق الحارة وأصبحنا نشهد ثورة سياحية في أرجاء الوطن فتنافست معظم المناطق والمحافظات على ابتكار سياحة خاصة بها حسب ظروفها وإمكانياتها والبقية تخطط للمستقبل.
أما عن زيارتي يوم الأحد 10ـ8ـ1432هـ برفقة العائلة إلى محافظة بدر فلم تكن الأولى ولكنها تأتي بعد عقدين من الزمان تقريباً.. ولقد استرجعت ذاكرتي تاريخ تلك المعركة.. ولاحظت أن محافظة بدر تنزي بين الجبال والرمال الذهبية وامتزج فيها لون الرمال الصفراء بالسوداء في منظر بهيج.. لم نكن نشعر به في زيارتنا السابقة على الطريق القديم ولكن في المدخل المتفرع عن طريق (المدينة ـ ينبع) السريع يكون المنظر أكثر جمالاً وبهاءً ويحتاج إلى استكمال العمل به.. والحقيقة فالقادم أمام لوحة طبيعية فريدة تستلهم قصائد الشعراء تخفي وراءها محافظة تاريخية عزيزة اسمها (بدر).. وقد جاء الاسم يحمل معركة لها مكانة عظيمة وتذكرنا بانتصار المسلمين في اللقاء الأول مع المشركين وبشهر رمضان المبارك.. وهناك تقابلك مقبرة الشهداء علماً تاريخياً خالداً لكن كانت ولا تزال (مقبرة العظماء من الرجال) لم تأخذ حيزاً من الاهتمام الإعلامي ولم تمتد إليها يد الرعاية والاهتمام.. فاللوحة المعُرفة قد أحرقتها أشعة الشمس وسورها بدائي لا يحمل قيمة من فيها إضافة أنه لا يوجد توثيق مختصر لهذه المعركة الخالدة بجوارها باستثناء أسماء الشهداء.. كما أرجو أن تكون هناك لوحات إرشادية كافية تسهل الوصول إليها.. وكنت أتساءل هل هناك أثار أخرى في هذه المحافظة؟.. وهل كانت مكاناً استيطانياً في عهد الرسول؟ ومن سكانها؟ كل هذا لم استطيع معرفته في تلك الساعات القصيرة التي قضيتها بتلك المحافظة العزيزة نظراً لحرارة الطقس والتي كانت تشير في سيارتي إلى (51) درجة فمجرد النزول من السيارة ولاسيما الساعة الثانية عشرة ظهراً لشراء المرطبات والماء البارد فإنك ستقابل بسموم شديدة الحرارة ربما إنها ناتجة عن امتصاص الجبال لحرارة الشمس وانعكاسها على جو المحافظة في فترة الصيف الحار.
وخلال جولتي أدهشتني بدر في امتدادها ومساحتها المتناثرة هنا وهناك ولاحظت أن هناك نهضة عمرانية تسابق الزمن وقد تمردت هذه المحافظة على عوامل التضاريس وعسر المكان وأصبحت من المحافظات المميزة على خارطة بلادنا، وانتقلت من بلدة ومركز صغير إلى حاضرة جميلة شملتها الرعاية الأبوية من حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين ومتابعة لا تتوقف من صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد أمير منطقة المدينة المنورة.. كما وفقت المحافظة بذلك المحافظ المهندس الأستاذ صالح الخليفة (أبو فراس) الذي شعرت من خلال جولتي بمحبة الأهالي له وتفاؤلهم به وشكرهم له على جهوده المتواصلة في سبيل تطوير ونهضة محافظتهم.
واللافت وأنت تتجول في تلك المحافظة فالأهالي كلهم ترحيب واستقبال جميل ولاسيما للزائر الغريب.. ثم ودعت تلك المحافظة الفاتنة وأنا بشوق إلى زيارتها مرة أخرى في سبيل معرفة المزيد من تاريخها الأصيل وتراثها المجهول راجياً أن تمتد إليها يد الهيئة العامة للسياحة والآثار، كما أرجو أن تشهد مزيداً من التطور والتحسين والبناء في المستقبل إن شاء الله وخصوصاً في مبنى المستشفى الذي يبدو أنه لا يواكب النهضة العمرانية الكبيرة والنمو السكاني القادم.
وقبل الختام أبارك لمنطقة المدينة المنورة اختيار (مدينة الرسول) عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2013م بعد ترشيحها من قبل (الإيسسكو)، راجياً أن تتضاعف الجهود لإبراز الوجه المشرق لثقافة طيبة وآدابها وإلى اللقاء.
- الرس