لم يكن مفاجئاً تحذير الشيخ فهد الغفيص، إمام وخطيب جامع الملك عبدالعزيز في الرياض، من «وجود عصابات تسعى للاستيلاء على التبرعات، يظهر عليهم طابع الإلتزام الديني»، واستشهاده بقصة رجل الأعمال الذي أعطى أحد الأشخاص المشهورين بعمل الخير مبلغ 700 ألف ريال لتوزيعها على المحتاجين، فاستغلها في شراء عمارة سكنية بدلاً من إيصالها مستحقيها. فقصص استغلال أموال المحسنين وحقوق المساكين كثيرة ومتنوعة، وبعضها أكثر غرابة من قصة الشيخ الغفيص التي أوردتها جريدة «الشرق الأوسط».
في العام 2009 «ألقى أعضاء من هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بمكة المكرمة القبض على مقيم عربي يستغل أموال المحسنين من أهل الخير والعطاء لإقامة علاقات جنسية محرمة مع النساء اللاتي خضعن له واستجبن لرغباته نظراً لفقرهن وشدة حاجتهن للمال الذي كان يواعدهن به». أحد مُدعي الصلاح استغل أموال الصدقات لإشباع نزواته ورغباته المحرمة في الخارج، وشاء الله أن يكشفه أمام بعض من استأمنه على مال الصدقة! أما بعض (التكفيريين) فاستغلوا أموال الصدقات لتمويل جماعات الإرهاب التي استخدمت أموال المحسنين لقتل المسلمين بدلاً من مساعدة فقرائهم. وزارة الداخلية أعلنت قبل عدة أعوام عن إلقاء القبض على متسللين يمنيين في المدينة المنورة، حيث ضبطت معهم العديد من سندات جمع الأموال التي زعموا أنها «تُجمع لصالح بناء مسجد في اليمن»؛ رئيس مجلس التنسيق الأعلى للجالية اليمنية بالمملكة قال في حينه: «إن بعض ضعفاء النفوس يستغلون هذه الأحداث لاستعطاف الناس خصوصاً في المساجد، وذلك للحصول على مبالغ مادية قد تستفيد منها جماعات وتنظيمات إرهابية مفسدة». ومن غرائب جمع الصدقات، قيام جماعات إرهابية ببيع كوبونات الأضاحي على الحجاج واستغلال أموالها في قتل المسلمين، وترويع الآمنين.
مصارف الزكاة أوجزها الله سبحانه وتعالى في قوله: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»؛ مصارف جلية يمكن لرجال المال والأعمال دفع صدقاتهم لها بكل يسر وسهولة؛ فما أكثر الفقراء، والمساكين، والغارمين، وأبناء السبيل في عصرنا الحالي؛ ولو اجتهد أصحاب المال في إيصال زكواتهم بأنفسهم لكان خيراً لهم. لا تبرأ الذمة بإخراج الصدقة فحسب، بل بالتأكد من بلوغها مستحقيها؛ وهو ما يستوجب أن يتذكره المُحسنون قبل دفع صدقاتهم إلى مُدعي الصلاح، وعصابات جمع الصدقات التي تنشط في مواسم الخيرات. لو تفقد رجال المال والأعمال الأقرباء والجيران لوجدوا فيهم الفقراء والمساكين، والغارمين، واليتامى والأرامل وغيرهم من المحتاجين.
إعطاء الصدقة مُستحقيها سبب من أسباب القبول، والاجتهاد في البحث والتقصي عن الفقراء والمحتاجين، خاصة من أولي القربى، والجيران؛ هو جزء من العبادة والتقرب إلى الله عز وجل، فمن عجز عن تحقيق ذلك فليحرص على دفع صدقاته إلى الجمعيات الخيرية المُصرح لها بتلقي الصدقات..
أصدق التعازي للأمير سلمان بن عبدالعزيز
أصدق التعازي القلبية نُقدمها لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض، ولأبنائه الأمير سلطان، والأمير عبدالعزيز، والأمير فيصل، والأميرة حصة، ولأبناء الأميرين فهد، وأحمد -رحمهما الله- وللأسرة المالكة، في وفاة المغفور لها بإذن الله، الأميرة سلطانة بنت تركي السديري، سائلاً المولى عز وجل أن يتغمدها بواسع رحمته ومغفرته ورضوانه، وأن يسكنها فسيح جناته، وأن يجعلها من عُتقائه في هذا الشهر الفضيل، وأن يُلهم الجميع الصبر والسلوان؛ {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
f.albuainain@hotmail.com