يقال بأن أقرب الأقربين للرجل هو ما يسمى بـ(العديل) أي أن تكون زوجتك أخت زوجة هذا الرجل، وفي الفقه ما يسمى بالحمو، وقد قيل حول هذه القربى بعض الطرائف التي تشير في مجملها إلى أن (العديل) يعتبر من أقرب الأقارب بل قد يكون أقرب من الأخ.
أسوق هذه المقدمة لأصل إلى قضية في غاية الخطورة وهي قضية المحسوبية في بعض أجهزتنا الحكومية، ومن هذه المحسوبية
(امرأتي أخت امرأته) وما يشابهها من علاقات مصاهرة أو مصادقة، حتى بات سؤال الناس (هذا يقرب لمين) عند حدوث بعض التعيينات، وهذا إذا استشرى سيكون مرضاً خطيراً يصعب علاجه.
كثير من الأنظمة العربية سرى فيها هذا الداء حتى بلغ العظم فنهش رقاقه حتى انكسر، وهذا ما يسمى الفساد الإداري وقمة هرمه، قد يكون زوج أخت امرأتي ذا كفاءة عالية فلا مانع في هذه الحالة أن أوليه ولاية ما، ولكن أن يكون ناقص علم وخبرة وأوكل له مهمة تتعلق بأمر الدولة سواء السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، فهذه في نظري خيانة لولي الأمر وخيانة للوطن بأسره.
إن منفعة الأقربين إذا كانت على حساب العموم فهي نوع من أنواع الخيانة العظمى والتي عقابها عند الله وهو القائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27) سورة الأنفال.
فقد قرن الله سبحانه خيانته وخيانة رسوله صلى الله عليه وسلم بخيانة الأمانة وما ذلك إلا لعظمها عنده سبحانه وتعالى، ومن أعظم الخيانات خيانة ولي الأمر وخيانة المواطن الذي أوكل لك ولي الأمر رعاية مصالحه.
في بعض تصرفات بعض المسؤولين ما يوحي بلا مبالاة، وأن قضيتهم مع المناصب قضية مصالح ليس إلا، ولذا تجد هؤلاء يكونون شبكة من العلاقات المادية البحتة في مدة وجيزة من توليهم هذا المنصب، وهذا بلا شك عنوان فساد واضح لا يحتمل التأويل، لا أنكر أن النفس البشرية ضعيفة أمام مغريات الحياة، ولكنني أنكر وبكل قوة أن لا يكون للوطن قيمة في نفوس بعضنا.!
الوطن أيها الكرام لا يمكن أن نقيمه بأي قيمة مادية، فهو كل شيء في هذه الدنيا، ولذا كانت الملاحم العسكرية من أجل الوطن وكذلك الملاحم الشعرية..
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بواد وحولي أذخر وجليل
وهل أردن يوماً مياه مجنة
وهل يبدون لي شامة وطفيل
جزء من الوطن من أرض مكة تمنى بلال ابن رباح رضي الله عنه المبيت به ليلة وحوله الأذخر والجليل، وهو الوطن الذي عذب فيه وأهين قبيل هجرته للمدينة المنورة، فهل يمكن لإنسان يحب وطنه أن يخون الأمانة؟!
الوطن الذي قال فيه امرؤ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
لما نسجتها من جنوب وشمال
وطن وحبيب، وهل يشعر المسؤول بحب لأهل وطنه؟ إن كان الجواب نفيًا فهذا دعي يجب أن يكون منزله المنفى لا الوطن.
الكفاءة سيدة الموقف هكذا يجب أن تكون نظرتنا لمن نوليه المسؤولية، لا القرابة أو المحبة ولا عيونها، فلا الوطن ولا المواطن يحمل نظراتها غير المنصفة!
قد يتحمل المواطن الخطأ غير المقصود ولكنه يتألم ألف مرة عندما يجد الجهل سيد الموقف لدى بعض من ولوا وهم ليسوا أهلاً للولاية، أعترف بأنني واحد من هذا الشعب الذي عاطفته تغلب عقله، وعادته تقدم - للأسف - في بعض الأحيان على دينه، ولكنني أقولها وأنا واثق بأننا يجب أن نعيد تقييم أنفسنا بين هذا العالم الذي يأخذ في النمو المتسارع جداً، فلم تعد الخطط العشرية ولا الخمسية مجدية، فالعالم يعيش خططاً شبه يومية.
أختم بالتأكيد على أن الوطن فوق كل قرابة أو مصاهرة أو محبة.
بلادي وإن جارت عليَّ عزيزة
أهلي وإن عزو عليَّ كرام
وسلام الله عليكم، والله المستعان.
almajd858@hotmail.com