لا يخلو أي قرار أو إجراء من إيجابيات وسلبيات، وتتوقف قيمة القرار أوالإجراء وقبوله على مدى غلبة كفة الإيجابيات على السلبيات، فمتى ما تبين أن الفوائد المتحققة من القرار كثيرة في مقابل سلبيات أقل، عندئذ يلقى القرار قبولاً واستحساناً وتأييداً، ويحظى بمن يقتنع به و يدافع عنه ويقنع الآخرين به بمنتهى الثقة والاقتدار.
ولكن عندما يتبين أن المضار المترتبة على القرار كثيرة في مقابل إيجابيات أقل، عندئذ يواجه القرار بالرفض والامتعاض والمعارضة، والكل يتخلى عنه لعدم القناعة به، ويتردد كثيراً من يحاول إقناع الآخرين به، بل يجد صعوبة وضعفا في التسويغ والتسويق.
وذاكرة المتابع مازالت مليئة بجملة من القرارات التي سبق أن صدرت وبقي الكثير منها حبيس الأدراج، وطوى النسيان البعض الآخر، ولم يبق منها سوى الذكرى التي غالبا ما تثير الضحك، وأحيانا التندر نظراً لعدم الإحاطة بكافة الظروف المحيطة بالقرار قبل إصداره والتي أفضت إلى تعثره ومن ثم فشله وطي صفحته.
ومن أعقد القضايا التي مازالت تشكل عبئا نفسيا وإداريا، قضية إيجاد الفرص الوظيفية للمواطنين، وإصدار القرارات التنظيمية التي يعتقد أنها تحقق هذه الغاية، دون النظر لكافة الاعتبارات التي يجب أن تؤخذ في الحسبان قبل الإقدام على هذا القرار أو ذاك، وما يتطلبه وسوف يترتب عليه وينتج عنه.
إن إصدار القرار يعد أسهل مراحل صناعته، لأن ما بعد إصداره يعد أصعب المراحل وأعقدها، لذا يجب أن يحاط بكافة المتغيرات التي قد تتمخض عن القرار قبل الإقدام على إصداره، فتوطين المواطن في الفرص الوظيفية المتاحة في القطاع الخاص، يعد غاية نبيلة لا يجادل أحد في جدواها وأهميتها، لكن المنطق والعقل يحتمان النظر بشمولية لكل الأطراف المعنية بالقرار وليس الطرف المستفيد فقط.
إن معضلة التوطين تكمن في كونها ركزت اهتمامها على المواطن فقط باعتباره صاحب حق وأولوية في الوظائف المتاحة في القطاع الخاص، وأهملت تماما متطلبات صاحب العمل ومعاييره وشروطه وضوابطه، وهي متطلبات مشروعة لضمان تحقيق التفوق والنجاح، وياليت هذا الاهتمام شخّص حالة هذا المواطن وتعرّف على سماته وخصائصه، من حيث، دافعيته، استعداده، تقبله، التزامه، مثابرته، قدرته، رضاه، رغبته في تطوير ذاته، تكيفه مع ظروف العمل ومتطلباته، وغير ذلك من الكفايات الشخصية والمهنية التي يجب توافرها في المواطن قبل الزج به ودفعه إلى الفرص الوظيفية المتاحة في القطاع الخاص.
إن حالة فئة من المواطنين الذين يدفعون إلى العمل في القطاع الخاص، مثل حال الشبعان والريان، الذي يقدم له أشهى الطعام، وأعذب الشراب، ومع ذلك تجده يتأفف ويتذمر، لا يعجبه العجب، ولا يعدم أن يجد ما يذم به ما عرض عليه وقدم له من لذيذ الطعام والشراب، لأنه في الأصل شبعان ريان، لكن لو أن الجوع طاو بطنه، والعطش منشف ريقه، لما تذرع بأعذار أقل ما يقال عنها إنها أعذار فسقان مدلل.
صدر الأمر بزيادة رواتب المعلمين في قطاع التعليم الأهلي بقصد تحفيزهم على العمل فيه، وإغرائهم إلى الثبات والاستقرار، نظر في إقرار الزيادة للمعلم، ولم ينظر إلى ما سوف يترتب على هذه الزيادة من أعباء على ملاك المدارس، وعلى أولياء أمور الطلاب، وعلى وزارة التربية والتعليم.
إن أولياء أمور الطلاب هم من سوف يدفع فاتورة زيادة رواتب المعلمين في القطاع الأهلي، وسوف تعاني وزارة التربية من تبعات هذا القرار، لأن من لن يقدر على تحمل الزيادة في الرسوم الدراسية سوف ينقل ابنه إلى المدرسة الحكومية.
إن إحجام بعض المعلمين عن التدريس في المدارس الأهلية ليس بسبب قلة الراتب، والدليل أن المعلم الوافد من مصر وسوريا والأردن يقبل بأقل مما يتقاضاه المعلم السعودي، ومع هذا يجد المعلم الوافد هذا الراتب مناسباً، فلو كان المعلم السعودي الذي لم يجد وظيفة ظامياً لكسر الحوض وورد على الماء كما يرد غيره.
ab.moa@hotmail.com