عقب سماعي خبر التفجيرات التي طالت مقار حكومية في العاصمة النرويجية أوسلو، وإطلاق النار في معسكر الشباب بجزيرة يوتويا القريبة منها؛ ما خلف قتلى وجرحى بالعشرات، وأعاد للأذهان أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، دعوت الله ألا تكون بيد أحد المسلمين،
أو تكون نتيجة عمل جماعة أسلامية متهورة، خاصةً أن التقارير الأولية كانت قد أشارت إلى احتمال ضلوع جماعات إسلامية متطرفة لها انتشار في القارة الأوروبية على خلفية مشاركة النرويج في أعمال حلف الناتو في أفغانستان، أو بسبب إعادة الرسوم المسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم -. كما حمدت الله كثيراً أن التحقيقات قد كشفت عدم صلة المسلمين بذلك، رغم أن بعض الصحف الغربية - وتحديداً السويسرية - حاولت تحميلهم المسؤولية، عن طريق ربط تفجيرات النرويج بتداعيات تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية، تحت زعم أن ما حدث في أوسلو 2011م جاء نتيجة لما وقع في نيويورك عام 2001م.
دعائي مطلع هذا المقال كان له أسبابه، أولها أن ديننا الإسلامي هو دين الرحمة، الذي ينبغي أن يُسهم أتباعه في إشاعتها لكل البشر، سواء على مستوى تشريعاته السامية أو من خلال إبراز شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام؛ كونه الرحمة المهداة والنعمة المسداة لكل العالمين، والثاني هو قطع الطريق على دوائر الإعلام الغربي المدفوعة من الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي تعمل على إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام وتكريسها في عموم المسلمين، وذلك بإيجاد حالة ارتباط بين تعاليم الإسلام وتطبيقات المسلمين، وخصوصاً أن تنظيم القاعدة والجماعات الإسلامية المتطرفة التي تتبنى العنف منهجاً قد أعطت إعلام الغرب كل مبررات هذا التوجه في الاتهام والإدانة. أما السبب الثالث الذي لا يقل أهمية عن سابقيه فهو كشف منطق الخطاب الغربي الحضاري، الذي يتعامل بانتقائية واضحة في تناول القضايا العالمية؛ فخطأ يرتكبه فرد مسلم يُعمَّم على أمة كاملة، وأعمال ترتكبها دول غربية بحكوماتها الديمقراطية وجيوشها الجرارة تُختزل في موقف زعيم سياسي أو مسؤول عسكري داخل إدارة متطرفة لهذه الحكومة أو تلك، فضلاً عن الفرد الغربي العادي الذي يمارس الإرهاب يتم تبرير أعماله بأنها نوازع شخصية لا تمثل الديانة المسيحية المتسامحة، ولا تُعبِّر عن الثقافة الغربية الليبرالية. وهذا ما حدث بالفعل مع مُنفِّذ تفجيرات أوسلو وجزيرة يوتويا.
فالإرهابي المدعو أندريس بريفيك اعترف بالعمليتين معتبراً ضرورتهما رغم الفظاعة، وأنه يعادي الإسلام ويكره المسلمين، ويريد فرض أصوليته الغربية المتعصبة، ويتطلع لتغيير المجتمع الأوروبي بطرد جميع المهاجرين، وذلك بالدعوة إلى حرب مسيحية دفاعاً عن أوروبا ضد الهيمنة الإسلامية بسبب انتشار الإسلام. فهل ما حدث يمكن أن يكون إثباتاً على تطرف جميع الغربيين المسيحيين؟ أو على الأقل اعتبار الأحزاب اليمينية التي تحكم في كثير من الدول الأوروبية أحزاباً تتبنى العنف حتى لو وصل إلى القتل؛ وبالتالي توضع على قوائم الإرهاب أسوة بجماعات وحركات إسلامية ليست إرهابية ولكنها تقاوم المحتل في فلسطين وأفغانستان وغيرها.. بل هل يحق للمسلمين أن يُطلقوا حملة اتهام عالمية للإنجيل والمسيحية بشكل عام بحجة التشجيع على القتل كما حدث للإسلام وقرآنه الكريم؟ أو هل يمكن اتهام المناهج الغربية ذات الطابع الليبرالي بأنها هيأت المناخ لظهور المتطرفين الإرهابيين؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تبدو سهلة ومعروفة؛ لأن المعيار الحقيقي في الحكم على الأشياء والمواقف والتصرفات يكون في إطار الواقع الذي جرت به، بعيداً عن الانتقائية والتحيز نحو الافتراء؛ فهذا هو الإنصاف، لكن الغرب لم يكن منصفاً يوماً بدلالة اجتياح العالم الإسلامي لأن 19 إرهابياً قاموا بتخطيط وتنفيذ تفجيرات نيويورك دون تأييد مليار مسلم أو موافقتهم؛ فتمت إدانة المليار واتهام الإسلام. فهل يمكن أن يمارس المسلمون السياسة غير الحضارية ذاتها؟ قطعاً لا.. فدينهم يمنع ذلك، وتاريخهم شاهد على العدالة والرحمة بأمم الأرض عندما كانوا هم سادة الأرض.
kanaan999@hotmail.com