قبل أكثر من سنتين ونصف بدأ (المنشود) فكرة تخصيص مقال يكتبه القراء نهاية كل شهر يعرض فيه آراءهم كما هي دون انتقاء نوعي، من خلال وسائل التواصل بين الكاتب والقارئ عبر موقع الجزيرة أو الإيميل.
وفي استعراض لكامل التعليقات خلال هذه الفترة (ثلاثين شهرا) لاحظت تحولا كبيرا في نوعية الردود، حيث كانت أغلبها تتجه نحو الشخصنة والتشكيك في النوايا، عدا عن اصطباغها بالألفاظ الجارحة والكلمات المؤذية والسخرية من الكاتبة، مرورا بالشتائم والدعوات عليها بجميع أنواع الأمراض والبلاوي. طبعا تحت ستار الأسماء الوهمية والألقاب والكنى.
ورويدا رويدا تبدل شكل الخطاب الهجومي، فصار التعليق على المقال أقل حدة وأدنى احتقانا، وتحول لمرحلة من الاعتدال النسبي بما يمكن أن يثري ويضيف من خلال وجهات النظر المتعددة حتى ولو أنها مغايرة تماما لما ذكر بناء على معطيات فكرية بحسب تخصص القارئ وثقافته ووعيه وسعة اطلاعه، وهو الهدف الذي سعت له الجريدة حين فتحت المجال للتعليقات، وليس لجعل المساحة ساحة للمصارعة الكلامية والاستعراض بالألفاظ. وإن كنت أدين بالفضل لكل من تناولني بالسب والشتم والسخرية والاستهزاء والقذف وحتى التكفير، لأنهم كانوا يهدونني حسنات بحاجة لها، وقد هذبوني حقا حتى أصبحت لا أعبأ كثيرا بما يقال طالما أني أستخير الله، ولدي يقين تام بما أطرحه، وثقة تامة بالرغبة في الإصلاح الحقيقي، وكشف الأغطية السميكة عن أفكار وعادات بالية تم غرسها في نفوسنا فاعتقدنا أنها ثوابت شرعية ! واكتشفت أنها لا تعدو عن آراء ومخاوف تتداول تحت مصطلح درء المفاسد وسد الذرائع !! ولاسيما أن ديننا بحمد الله متاح للجميع دراسة وبحثا وتبحرا وتأملا واستنباطا وبراعة في فهم النص، ولا يحمل طابع الكهنوتية المقتصر على فئة من الناس دون غيرها إلا لمن يريد أن يستغني عن فكره وعقله وعلمه !كما قال عز وجل (إن كنتم لا تعلمون).
وقد سعدت بالردود العقلانية الموضوعية على مقال (المساجد في رمضان.. ما عندك أحد!) وكذلك مقال (لماذا يسلمون قبل رمضان؟) حيث تجاوب القراء مع الأفكار المطروحة وأضافوا لها جوانب لم يتم تناولها، وذكروا بعض المواقف التي مرت بهم، وأشاروا لنماذج ورؤى، وتفهموا فكرة الطرح بعيدا عن (اتقي الله يا امرأة ) وإطلاق مصطلحات التغريب والتشكيك والهجمة الشرسة على الإسلام، وترديد فكرة المؤامرة على الدين وأهله. ولو كان المقالان قد نشرا قبل سنتين لكانت الردود تختلف تماما. ويسعدني حقا أن يعم الوعي مجتمعنا، ويسود الفكر عقولنا، ولا نكون لقمة سائغة للاستغفال والاستغلال والتبعية!
وإن كان بعض القراء قد أبدوا رضاهم عن طرح (المنشود) لبعض الموضوعات الاجتماعية ولاسيما الدعوة لإحداث موقع دائم للمقاطعة ومحاربة غلاء الشعير والحديد والمطالبة بحلول عاجلة لهروب الخادمات؛ فإنني أؤكد أن الكاتب هو صوت المجتمع ولسانه وقارع الأبواب الموصدة في وجه المواطن، وهو شرف له حين وضع نفسه في هذا المجال، وليس منَّة أو تفضلا؛ بل هو واجب اجتماعي على كل كاتب أمسك القلم، وأتيحت له الفرصة، وأفسحت له الجريدة المكان، ومنحه القارئ وقته وثقته. وإن لم يفعل؛ فقد أخل بالمواطنة ونكث الأمانة ونقض الثقة. فالمثقفون والكتــَّاب والمفكرون المخلصون هم قناديل الأمة، حين تصدق النوايا وتنتفي المصالح الشخصية، وتنعدم المطامع الذاتية.
أسال الله أن يصلح النوايا والأعمال ويبلغنا شهر رمضان ويتقبله منا.والمنشود في هذه المناسبة يهنئ قراءه ويستأذنهم بالغياب المؤقت إلى ما بعد عيد الفطر المبارك. وكل عام وبلادنا تنعم بالأمن والاستقرار، وجزيرتنا تتألق بمصداقيتها وتتمدد بانتشارها.
rogaia143@hotmail.comwww.rogaia.net