يُتَّهم المواطن دائماً بعدم الوعي.. يحدث أن يخرج علينا المسؤول في وسائل الإعلام، وقد يكون تأهيله الأكاديمي متواضعاً، ويقول لنا: «مشكلتنا مع وعي المواطن». ويضيف «نحن بحاجة إلى سنوات طويلة حتى يرتقي الوعي لدى المواطن». هذه اللغة أشبه بكلام الثمانينات الهجرية والستينات الميلادية، يُحمَّل المواطن التبعات والأخطاء، حتى أنه إذا فشل المسؤول ومشروعه لا يتردد في تحميل وعي المواطن المسؤولية. وينسى هذا المسؤول أن بلادنا تعافت من الجهل، وأن 33 جامعة حكومية وأهلية وأيضاً العشرات من الكليات، إضافة إلى التعليم العام والابتعاث، قد أدت دورها في التعليم وفي تثقيف المجتمع، ونشرت التعليم الأساسي والجامعي على أوسع النطاقات, ورفعت سقف التعليم الأكاديمي والتدريب إلى مستويات عالية.. المسؤولون في المرور، وبخاصة ممن يعملون في إدارة (شركة) ساهر، لديهم تعالٍ على المجتمع عبر خطابهم الإعلامي بعبارة يستخدمونها، وهي مستهجنة وغير مقبولة، بقولهم: «مشكلتنا مع وعي المواطن». وكأن المواطن ما زال في حضانة المرور، وأن إدارة ساهر هي من يملك الوصاية على المجتمع السعودي. اللغة الخطابية من إدارة (شركة) ساهر والكبرياء المبتذل والإقلال من شأن المجتمع السعودي بوصفه بعدم الوعي من أجل تمرير المشاريع عليه أصبحت لغة استفزازية وغير مقبولة، وهي إسقاط لحق التعليم والجامعات وميزانيات المدارس والكليات وسنوات التعليم عندما يوصف المجتمع بالجهل لمجرد أنه سجّل موقفاً ضد الشركات التي يرى أنها جباية..
ساهر لا يراقب إلا السرعة فقط، لكنه لا يسجّل مخالفة ضد عكس السير والتفحيط والوقوف الخاطئ وعدم الانضباط في المسار والدخول المخالف.. وهذه الأخطاء يشاهدها رجل المرور الرسمي لكنه لا يباشرها ويعاقب المخالف.. تجده يشاهد متجاوزي السرعة والوقوف الخاطئ والدوران المخالف ولا يعاقبهم، وهي مشاهدات يومية تمارَس أمام إدارات المرور وأمام سياراتهم الدورية.. فهل هناك فارق واختلاف ما بين المرور الرسمي ومرور شركة ساهر؟ هل هناك اختلاف بين الموظف في المرور والموظف في شركة ساهر؟ وهل هناك فروق وميزات مالية تميز منسوبي ساهر عن غيرهم؟! هذه المقالة أوردها رداً على اتهام المواطن بعدم الوعي والتجهيل من أجل ساهر. وإدارة المرور تعلم جيداً مدى وعي وتأهيل المجتمع، لكن المشكلة ليس في المواطن، وإنما في إدارة جهاز المرور وفشله في تطبيق الأنظمة ضد متجاوزي السرعة في الشوارع غير المغطاة بساهر، وضد قاطعي الإشارة والمفحطين والوقوف الخاطئ.. فأمام عجزهم عن تطبيق الأنظمة بادروا في تجهيل المجتمع ووصفه بالمجتمع غير الواعي.
صمت المجتمع على حشد المبررات غير المنطقية وغير العلمية والتقليل من ثقافة المواطن لا يعني أنه مؤشر على الرضا أو القبول.. فهذه قد تكون سلبيات تتراكم، لا أحد يعلم مستقبلياتها, وأيضاً دلالة على اهتزاز الثقة في إدارة تداخلت فيها الأعمال الرسمية مع الشركات، وأصبحنا لا نفرق بين من يمثل الجهة الرسمية ومن يمثل الشركة التي يجب أن تكون واضحة للمواطن الذي يُتَّهم دائماً بالجهل وقلة الوعي والاستيعاب.. فهل على المواطن أن يمرر كل شيء حتى يحظى بشهادة الوعي و(المفهومية) من إدارة المرور؟!