ورث وظيفة أبيه - ساعٍ في أحد المكاتب - يذهب لعمله بالحافلة.. يقف على بابها دائماً، لم ينعم بكرسي.. زوجته دائمة الشكوى.. تطلب وهو عاجز.. يعلو صوتها وهو صامت.. تسرد - بطريقتها- أمامه حكاية فلان وفلان، وكيف أصبحوا من أصحاب الآلاف.. هكذا كان حلمها.
ينام دائماً مهموماً.. استيقظ، ارتدى ملابسه، لاحظ أن أولاده لم يذهبوا للمدارس، لم يهتم.. في المحطة قليل من الناس.
جاءت الحافلة والمقاعد تكاد تكون خالية.. وضع جسده المنهك على مقعد كان يتمناه. تكاد الشوارع أن تخلو من المارة، والمحلات لم تفتح أبوابها بعد. ظن أن اليوم الجمعة.. ولكنه كان متأكداً أن اليوم ليس جمعة.. الكمساري لم يهتم بقطع تذكرة له.. هبط. عند مقر عمله.. الأبواب مغلقة والمبنى خال إلا من أفراد الأمن.. سأل أحدهم.. ضحك.. وقال اليوم عيد.
زاد همه هماً.. تذكّر أن صاحب المكتب الذي يقع منزله بعد محطة من مقر العمل.. حيث الحي الفخم.. يوزع كل عام العطايا على العمال والموظفين. ترجّل حتى وصل، لاحظ إشارة مرور لم يرها من قبل مكتوب عليها (الدوران إجباري للمشاة) وتحتها يقف شرطي، نادى عليه، أعطاه كيساً أسود، حمله ووجد السائق والكمساري يحملان نفس الكيس.. أقلتهم الحافلة وعادوا مرة أخرى من حيث أتوا.