جرش الذي كان.. بأمسياته.. بهديل شعرائه.. بماضيه الجميل وتاريخه الذي يتسلل من شقوق الصخر وأعشاب المدرجات الصخرية، عاد بصخب لياليه التي تتألق فيها القصيدة، عادت القصيدة لتلبس بردتها على مدرجاته التي تعانق سماء المدينة الناعسة وتحكي تاريخها، عادت هذا العام إليه قوافل الشعر تحط رحالها على مدرج أرتيمس، تشعل شعلة البدء حيث لا نهاية للذكريات والبدايات مشتعلة بالحنين والشوق، وبهمس من تركوا أنفاسهم في رحاب المدينة التاريخية فاستفاقت تلك الأرواح لتشهد ميلادا جديدا للمكان الذي عج به الحاضرون على غير عادة الأمسيات التي يحضر فيها الشعر ويغيب الجمهور.

اتقدت شعلة جرش في القلوب المتلهفة لعودة هذا المهرجان العربي العريق فحكت قصائد الشعراء أحلى أمنياتهم، ورقصت دمعاتهم طربا حيث داعب مرايا عيونهم تلك النجوم التي كانت تنثر فضتها لتنير مساءاتهم.

القصيدة تعتلي في عمان منبرا وزاريا مهما من خلال تعيين الشاعر جريس سماوي وزيرا للثقافة الأردنية قبل أيام من بدء جرش، القصيدة تحضر في الحقيبة الوزارية كمشروع ثقافي مهم، تعيد صياغة الثقافة وتصبح من نسيجها.

القصيدة تؤكد من خلال الشعراء والحاضرين إلى مدرج الشعر أنها ديوان العرب، والإرث الباقي والحاضر الماضي، من خلال الصحف التي تناقلت أخبارها وواكبت مهرجان الشعر كما مهرجان الغناء والفنون الأخرى، من خلال لقاءات الشعراء في مقر الشعر القديم في العاصمة عمان والذي يحمل اسم المدينة المقدسة، من خلال مدير المهرجان أكرم مصاروة الذي لطالما كان من تفاصيله وحملني للشاعرين الجميلين السعوديين محمد بن جبر الحربي وعبدالله الصيخان رسائل تفوح بالذكريات والمحبة وشوق جرش لشاعريها.

في جرش اجتمع الشعراء من أقاصي البلاد يحييون فرحة عربية تكمد بعض آلامنا وتحكي تاريخنا المنسوج بحبر القصيدة، اجتمعت الثقافة والسياحة بروحين تصران على النجاح فلا شيء يؤكد هويتنا العربية كالثقافة.

تحية لجرش.. تحية لمن تكبد من الشعراء والمثقفين غير المشاركين الحضور تحية للشعر والمكان.. تحية لأصدقائي الشعراء الذين شاركتهم منبر الشعر ولأولئك الذين كانوا جزءا من المكان حيث استحضرتهم ذاكرته عطرا ونورا.. تحية لكل القائمين على مهرجان جرش .. وللأردن وجهة القلب.

من آخر البحر:

بعد رحيلك..

ابتعت قلبا ماسيًّا أعلقه على صدري

بدلا من قلبي الذي أخذته معك..