السياحة.. هذا الرافد الاقتصادي المهم لأية دولة في العالم، خاصة إذا كانت تملك المقومات السياحية مثل المملكة العربية السعودية التي تُعد شبه قارة وتمتلك بعض مناطقها مقومات سياحية رائعة كالأجواء الباردة صيفاً والمناظر الطبيعية الخلابة. لكن هل هذا يكفي؟ طبعاً لا.. لأنّ التخطيط مطلوب لنجاح السياحة.
مقوّمات السياحة:
تتطلّب إيجاد فنادق، وسائل نقل، شبكة طرق سريعة تربط المدن ببعضها، وشبكة القطارات في المملكة قادمة بإذن الله، ومن مقوّمات السياحة أيضاً طريقة استقبال أهالي المنطقة للمصطافين والمطاعم التي لابد أن تكون متوفرة وتناسب جميع ميزانيات الأسر، ومدن الملاهي والألعاب، وبعض الأنشطة الثقافية والمسابقات، العديد من الأنشطة التي تجذب السائح لابد أن تكون متوفرة وفي أماكن سهلة للسائح لكي لا يتكبد المشاق كي يصل إليها.
أتحدث اليوم عن تجربتي في بعض المناطق السياحية وأهميتها والتي كنت أكلف بها من إمارة المنطقة بالتعاون مع الإذاعة.
أبدأ حديثي في هذا المقال عن منطقة الباحة.. هذه المنطقة الساحرة بأجوائها ومناظرها، أول زيارة لي كانت بمناسبة جائزة الأمير محمد بن سعود لحفظة القرآن الكريم، كان الوفد النسائي مؤلفاً من صاحبات سمو ومديرات ورئيسات أقسام إلى غير ذلك من سيدات المجتمع السعودي، كان اللقاء رائعاً بيننا وبين أهل المنطقة والفائزات من قسم النساء، وكانت معنا المشرفة على هذا الاحتفال سمو الأميرة سارة العبيلان الفيصل حرم أمير المنطقة، والأميرة سارة حرم وكيل أمير المنطقة سمو الأمير الدكتور فيصل بن محمد بن سعود. الوفد ذهل بما شاهده في هذه المنطقة من خضرة وأمطار وضباب في عز الصيف، إضافة إلى الروائح الجميلة التي تنبعث من أشجارها. بعد ذلك طلبت مني الإمارة عمل برنامج ثقافي كل صيف، وبدأت اختيار نخبة من كبيرات الأكاديميات من جامعات المملكة وبعض الطبيبات الماهرات من وزارة الصحة لعمل البرنامج لمدة عشرة أيام أو أسبوعين.. بصراحة كنت أجد تجاوباً من الجميع لأن حب العمل التطوعي في المملكة يشهد له الجميع، كنا نقوم بالتعاون مع الإمارة بمجهودات رائعة سواء في الندوات أو المحاضرات أو المسابقات ونوزعها ما بين منتجع الحكير في غابة مهران أو مسرح الإمارة أو مسرح إدارة التعليم أو مسرح غابة رغدان.
كلنا نعمل كمتطوعين، مقابل ذلك كانت إمارة الباحة تتكفل بكل متطلّبات الوفد سواء السكن أو المواصلات أو الطعام وتذاكر الطائرة.. وكان التطوير مستمراً في كل عام.. ونناقش طرح القضايا التي تحتاجها المنطقة بصفة خاصة والمملكة بصفة عامة ويدور حوار بين الوفد وأهالي المنطقة، وكنا نفتح عيادة مجانية في مكان سكننا في الغابة للكشف على المصطافين وتديرها بعض الطبيبات الموجودات معنا على مدار الساعة.. لا ننسى المساندة التي كنا نجدها في عمل أنشطتنا الناجحة من مستشفى الملك فهد في الباحة ومديريها وجميع العاملين فيها، الخطوط السعودية، الاتصالات، مطار الباحة، مدير منتجع الحكير في غابة رغدان، إضافة إلى المساندة القوية والمتابعة من مسؤولي إمارة الباحة. سواء من سمو الأمير الدكتور فيصل بن محمد بن سعود، ونائبه الأستاذ أحمد المنيفي ومدير التطوير في الإمارة الأستاذ عبد الله يعن الله الغامدي، إضافة إلى رئيس المراسم أحمد السياري.
صراحة مهما تحدثنا عن المجهود الذي كانوا يبذلونه لا نستطيع إعطاءهم حقهم، لأن جميع القطاعات كانت تساند خاصة برامج التعريف بالمنطقة التي كانت مبرمجة للضيفات والتي أذهلتهن بالفعل، حيث استمررنا في هذا النشاط ما يقارب الثماني سنوات، وكنا نقوم بعمل برامج ثقافية ترفيهية للأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، وأتذكر هنا استضافة الإمارة لثلاثين يتيمه من جمعية البر في جدة على حساب الإمارة مع أيتام الباحة، وعندما رأين الضباب تساءلن عنه لأنهن يشاهدنه لأول مرة حتى أن بعضهن كنّ يسألن أين نحن؟ وذلك نتيجة الجو البارد لأنهن يعشن في جدة على الساحل والباحة على مرتفعات جبلية، وأهدى مدير مستشفى الملك فهد في الباحة الدكتور عبد الحميد الغامدي وأيضاً الدكتور سعيد حمد الغامدي المدير التنفيذي هدايا ذهبية لكل اليتيمات جزاهما الله كل خير.
لا أنسى مقابلتي للوفود الإعلامية في قافلة الإعلام الذين استضافتهم الهيئة العليا للسياحة من جميع الدول العربية، فكانت رحلتهم من عسير إلى الطائف إلى الباحة أجريت معهم العديد من اللقاءات فكانوا مذهولين في هذه المناطق التي تمتلك المقومات السياحية الطبيعية التي تستحق الزيارة والاهتمام والتسويق.
أيضاً الرحلات التي كنا نقوم بها مع الوفد إلى التلفريك في قرية قمع مشروع جبار مذهل في المحطة العليا والسفلى وتحوي أربعاً وعشرين مركبة، وقرية ذي عين التي تحوي مياهاً عذبة عمرها أربعمائة وخمسين عاماً، لدرجة أن وفد جامعة الملك عبد العزيز أصر مع مديرة شطر الطالبات آنذاك سمر السقاف بحفر اسم الجامعة على صخرة العين وهذا ما حدث بالفعل.
قمنا بالعديد من الزيارات إلى بعض المتاحف والتعرف على المنطقة إضافة إلى برنامج الإمارة الصيفي الرائع كعروض لصقور السعودية والعرضات النجدية وحفلات الزواج في الباحة التي أعجبت كل من حضر، لأنها تبدأ عصراً وتنتهي في الساعة التاسعة ليلاً، العديد من الأنشطة في الغابات والحدائق التي عملت الإمارة على تطويرها عاماً بعد عام، ولكن هذا لا يكفي إذا لم يساهم القطاع الخاص مع الدولة في التنشيط السياحي وإليكم الدليل:
في إحدى المرات ذهبنا كوفد نسائي لزيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سعود أمير المنطقة، استقبلنا وتحدث معنا بكل شفافية وأجاب على العديد من الأسئلة، كانت معنا في هذه الزيارة الأستاذة نورة آل الشيخ مدير عام الإشراف الاجتماعي بمنطقة مكة المكرمة، الأستاذة الجوهرة العنقري رئيسة جمعية إيمان لمرضى السرطان، ود. طرفة الشويعر مديرة الإشراف التربوي رحمها الله، ود. ميرة العصيمي المشرفة العامة على التمريض في وزارة الصحة، والعديد من أكاديميات وطبيبات المملكة، وعندما أجريت معه مقابلة إذاعية سألته عن الخدمات التي تحتاجها المنطقة فأجاب سموه بكل صراحة قائلاً: أنا استلمت المنطقة بكراً، وركزت في البداية على البنية التحتية لأنها هي الأهم في البداية، إضافة إلى ربط تهامة بمدينة الباحة وقراها لكي أوفر على الموظف المعاناة في قطع المسافة، ثم ركزت على مشروع تحلية المياه وساندنا في ذلك الملك عبد الله - يحفظه الله - عندما كان ولياً للعهد وتبرع لهذا المشروع، وأيضاً العقبات التي اخترقت الجبال أنشأنا التلفريك في قرية قمع وهو على أحدث طراز، أيضاً مشروع تلفريك الباحة.
ومع التطوير طلبت ألا يتعدوا على طبيعة الغابات فلدينا في الباحة سبعين غابة وعندما زار منطقتنا الأمير الشاب صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان أمين عام الهيئة العليا للسياحة أعجب جداً بمقوماتنا السياحية الطبيعية وأمر بتطوير العديد من الأماكن الأثرية في المنطقة وأولها قرية ذي عين وجار العمل فيها.
ولكن أحتاج إلى الكثير من التعاون من أهل المنطقة، فمثلاً أحتاج إلى فندق فخم خمسة نجوم لأستقبل فيه ضيوف الإمارة، وعرضت بأن من سيقوم بهذا المشروع سأعطيه أرضاً بالمجان، لم يتقدم أحد، ما يؤلمني أن أثرياء المنطقة يستثمرون خارجها، ثم قال بصراحة طلبت إنشاء ورشة كبيرة وعلى مستوى رفيع لتصليح جميع أنواع السيارات بدلاً من أن يتكبد المواطن السفر إلى الطائف أو أي مكان آخر لإصلاح سيارته.. كثيرة هي الأمنيات والطموحات، ولكن نحتاج إلى المستثمرين لكي ننهض بالسياحة الداخلية، وهذا صحيح، كثير من الوفود كانت تطلب إقامة مشاريع سكنية كفلل وشقق لشرائها من أجل الاصطياف، لكن أين الذي يقيم هذه المشاريع الاستثمارية في منطقة جاذبة تتمتع بأجواء مميزة.
ندعو الله لسمو الأمير محمد بالشفاء وطول العمر وأن يحقق الله أمانيه في هذه المنطقة على يد أميرها الطموح حالياً صاحب السمو الملكي الأمير مشاري بن سعود الذي بدأ يستقطب المستثمرين ويذهب بنفسه لتفقد الأماكن السياحية أو الأثرية ليقف بنفسه أيضاً على احتياجات المصطافين، شكراً لسموه وشكراً لكل من ساهم في تطوير السياحة سابقاً وحالياً.
في مقال آخر سأتناول بعض المناطق التي زرتها ودور الإمارة فيها، لكن قبل الختام أتساءل .. قرأت بأن حجم الاستثمار السياحي في المملكة هذا العام وصل وفق آخر الإحصائيات إلى 60 ملياراً .. أين هذه الإحصائيات ومن قام بها؟ لابد أن توثق، ولا نطلق الأرقام جزافاً دون دراسة وبحث وتدقيق.
وللحديث بقية ... مع تحياتي.
najwakhm@hotmail.com