لماذا ترتبط حظوظ مدننا برؤساء بلدياتها, أو دعنا نضع السؤال بصيغة أخرى: لماذا يستطيع أي زائر لمدينة من مدننا أن يخرج بتصور عام عن رئيس بلديتها، بل ومن النظرة الأولى. فعندما تتردى أحوال المدينة فإن أول ما يتبادر إلى ذهنك العقلية التي تدير أهم مرفق حيوي فيها، وسيظهر لك بوضوح أن المدينة هي من تتحدث عن رئيسها بصدق وليس العكس.
في السياق نفسه، لماذا يأسى سكّان بعض المدن عندما يتمّ نقل رئيس بلديتهم؟ وفي الجهة المقابلة يفرح ويهلل آخرون عند نقله أو تقاعده، كما ستجد تبايناً في بعض الآراء حول أداء رئيس البلدية. سؤال أجزم بأن الجميع يطرحه، بل ويلحون عليه؛ فهل هذا السؤال صحيح؟ وأمام هذه الحالة لا بدّ أن نضع السؤال التالي: أين نجد أنفسنا من ذلك؟ أو لمن يجب أن توجه هذه الاستفسارات المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحياة المواطن بشتى الأماكن في وطننا الحبيب.
من البديهي جداً أنّ كل مواطن يتمنّى أن يجد إجابة شافية لهذا المطلب المهم وبالخلاصة: لماذا يسمح لمصير مدننا أن تبقى معلقة بـ(ذمة) رؤساء البلديات. ولكي لا نخصص وجب التنويه بأن الأمين أو رئيس البلدية اسمان لوظيفة واحدة مع اختلاف التنظيم الإداري.
هنا أيضاً يبرز سؤال مهم، كيف يتمّ الترشيح لهذا المنصب المهم؟ ثمّ يتبعه سؤال آخر، هل يتمّ تقييم أداء رئيس البلدية؟
جميعنا يعلم سعي وزارة البلديات في حل مشكلة التباين بين المدن في جميع المجالات والمستويات؛ لتحقيق تنمية متوازنة، ولن يتأتى ذلك إلا بوجود منهجية تطويرية موحدة تراعي ذلك التباين، وإن وجــدت فلا بد أن يلمسها المواطن على أرض الواقع.
قرأت مؤخراً أن وزارة البلديات تتجه إلى تطبيق طريقة جديدة لاختيار رؤساء البلديات في المناطق، وذلك بإتاحة الفرصة للراغبين في الترشح لرئاسة البلديات بتسجيل طلباتهم على موقعها الإلكتروني.
وتجسّد هذه الخطوة من قبل الوزارة بداية جادة تهدف إلى استقطاب الكفاءات المتميزة - وما أكثرهم - وليس إلى من أصيب بهوس وإغراءات هذا المنصب، فرئيس البلدية له حق التخطيط والتنفيذ، وهو يقود أكثر القطاعات الحكومية أهمية، وأقربها ارتباطاً بحياة ومصالح المواطن، لهذا فرئيس البلدية - الكل بالكل - ويحق له ما لا يحق لغيره.
ولعلّ أولى المؤسسات التي تحتاج إلى من يبث فيها الحياة هي المجالس البلدية المنتخبة، التي تم تقليص دورها حتى أصبحت صورية في أغلب الأحيان، أو يقتصر تفعيل وجودها على مدى اقتناع ورضا رئيس البلدية عن أعضائها.
رغم حداثة التجربة فالواقع يدعو إلى التعاون مع أعضاء المجالس البلدية والاستفادة من خبراتهم وإمكاناتهم في هذه المرحلة، إذن يجب أن يكون لدينا مجالس بلدية، تحقق طموحات الجميع وتشارك في تحسين أداء أمانات المدن والبلديات، مجالس مختارة، وفقاً لجدارتهم، ومدى مساهمتهم في التطوير والتغيير والتحديث، وليست لاعتبارات أخرى قبلية أو مناطقية، لتكسب الثقة وبالتالي صلاحيات المحاسبة، مما يجعل المواطن شريكاً في بناء المدينة التي يقطنها.
إذن، نحن مازلنا بحاجة إلى أن يدرك المسؤولون قيمة تطوير مدننا واستغلال مواردها المتاحة، الذي سيجذب رؤوس الأموال من رجال الأعمال والمستثمرين، وبالتالي تقليل معدلات البطالة، وإيقاف هجرة السكان إلى المدن الكبرى.
والله الموفق.
_ محافظة القريات