لم تؤكد الجريمتان الإرهابيتان اللتان شهدتهما النرويج ما كنَّا نردده من أنَّ الإرهاب لا دين له ولا قومية فحسب، بل لا يمكن أنْ نلصقه بدين ما أو بقومية محددة. فالإرهاب مسلك وفكر كالجرثومة يصيب كل من يصادفه، ولا فرق لديه بين دين وآخر أو بلد وآخر إلا في توفر البيئة الحاضنة لهذا المسلك العنيف.
جريمتا النرويج بددتا الوهم الذي روَّج له المتعصِّبون في أوساط غربية، هو أنَّ المسلمين أكثر معتنقي الأديان ارتكاباً للإرهاب، وأنهم هم من نشروا هذا العمل المنافي لكل الشرائع الدينية والأعراف الدولية.
إذ تَبيَّن -وحسب التقرير السنوي لـ»يوروبول» حول العمليات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي- أن من بين 449 هجوماً إرهابياً وقعت في العام الماضي تم تنفيذ ثلاثة منها فقط من قبل الجماعات الإسلامية، وأن الأغلبية الكبرى من العمليات الإرهابية قد نُفذتْ من قِبَل انفصاليين أو فوضويين أو متطرفين محليين، وجميعهم لا علاقة لهم بالإسلام أو المسلمين. على الرغم من هذه الحقائق التي تؤكدها الأرقام والإحصاءات، إلا أن الغرب عموماً ما زالوا مصابين بمرض «الإسلام فوبيا»، فبعد الإعلان عن أي تفجير أو أي عمل إرهابي تتجه أصابع الاتهام إلى المسلمين، ويظل المسلمون في البلد الذي حصل فيه العمل الإرهابي في قلق وتوتر إلى أن تظهر الحقيقة، ويُكتشف أن وراء العمل جماعة محلية متطرفة كما يحصل في إسبانيا، أو جماعة فوضوية كما حصل في اليونان، أو جماعة شوفينية عنصرية كما كشفت التحقيقات الأولية لجريمتي النرويج، حيث تَبَيَّنَ أن أندرس بيرنغ يريفيك ليس وحده حتى وإن ارتكب الجريمتين بمفرده، إذ إن هناك الكثير من الجماعات والجمعيات التي تدعم أعمالاً من مثل هذا القبيل. وهذا ما يؤكد أن هناك وفي كل الأديان والقوميات والبلدان مهما وصلت إلى مستوى حضاري ومتقدم كالنرويج يوجد فيها إرهابيون ومتطرفون يكرهون الجنس البشري فيقومون بأعمال تجسِّد المسلك الشرير الذي يعتري النفوس، وهو بلا شك لا يمكن أن ينعكس على الأديان التي يعتنقونها أو البلدان التي ينتمون إليها.