بين (الغبطة) والفرحة في آن واحد بالقرارات الإيجابية التي تزفّها لنا (وزارة العمل) عبر وسائل الإعلام ومنها (الجزيرة) يوماً بعد آخر، وبين الشك والحيرة في آلية التطبيق بل لنقل (التجميد)، أو عدم التنفيذ أو الحفظ في (الأدراج) وما أكثرها، تساورني أمور عابرة وسؤال حائر: هل هذه القرارات ستُطبّق على أرض الواقع أم أنها ستكون مثل غيرها «قرقعة فناجيل وصب قهوة» ومن ثمّ «ينفض المولد - كما يقولون - بلا حمص»؟!!
إنّ المشكلة التي نعانيها في المجتمع السعودي قاطبة هي القرارات التي لا تنفّذ وتوأد في مهدها، أو بعد ولادتها بزمن قصير، هذا إنْ نُفِّذت والشواهد كثيرة على ذلك، وليس ذلك في العمل وما يهم العمال والقطاع الخاص بشكل خاص، بل في كل المجالات المختلفة التي تهم المواطن، في الزراعة والتجارة والصناعة والخدمات العامة وغيرها..!
إنني أقدِّر الجهد الكبير والنشاط والحيوية والحماس و(الأريحية) التي يبديها ويقوم بها معالي وزير العمل الجديد المهندس عادل فقيه، وأقدِّر القرارات الرائعة التي اتخذها في فترة قصيرة من (تسنُّمه) همّ وزارة تُعَدُّ هي (رمانة الحياة) للوطن والمواطن، ولكنني أسأله وبشفافية: هل هذه القرارات ستطبَّق أم أنّ مصيرها سيكون مثل غيرها (الحفظ)؟!
إنني أذكِّر معالي الوزير الشجاع بأمور يجب أن تكون في حسبانه، وهي أنّ القرارات سهلة ولكن تنفيذها يحتاج إلى صعاب ومتابعة وتطبيق فوري، لا تطبيقاً (صورياً)، وأحب أن أذكِّره أنّ معالي وزير العمل السابق الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - فعل ما فعل وأصدر ما أصدر من القرارات التي تهم المواطن و»السعودة» بشكل خاص، ولكنه رحل عن دنيانا وأحلامه لم تتحقق وقراراته لم تُطبَّق، بل حُفظت وجُمِّدت وذهبت معه (تحت التراب)، لأنّ من حاربه هم (هوامير الأعمال) ورجال الأعمال الذين لا يهمهم إلاّ (مصالحهم) فقط، أما غيرهم من أبناء الوطن فليذهب بهم (الطوفان)!!
واليوم وقد أصدرت قراراتك وحظيت بثقة قائد الوطن عبد الله بن عبد العزيز وثقة جميع الناس في الوطن، ما عدا «قلّة» منهم ديدنهم الأنانية وحب الذات وحب المال والمصالح فقط، أما مواطنوهم فلا شأن لهم بهم..!
يا معالي الوزير لقد حمل القصيبي - رحمه الله - (الأطباق) في أحد مطاعم جدة ليوزعها على الزبائن والمرتادين ليحفِّز الشباب بالعمل فيها، ولكن أصحاب هذه المطاعم قالوا له (لا)! نعم.. لا نريد سعودياً يكلفنا مبالغ طائلة.. لا نريد أن يعمل لدينا إلاّ عمالة أجنبية رخيصة!!
والقصيبي - رحمه الله - هو أول من بادر وقاتل من أجل تأنيث محلات النساء وما يخص بيع ملابسهن الداخلية، وأصدر قراره قبل سنوات، ولكنه حورب من «المتشدِّدين» الذين يرون ذلك «عيباً» في أن تبيع المرأة في الأسواق!
والقصيبي - رحمه الله - عمل «ضوابط» ونظم عملية الاستقدام، ولكنها أيضاً هي الأخرى حوربت من (المصلحجية)، وتحوّلت أحلام الوزير إلى (أضغاث) وانتهت الحكاية والرواية وحُفظت القرارات، وأتمنى يا معالي الوزير أن «تفتش» عنها في وزارتكم وستجدها بالعشرات..!
يا معالي الوزير إنني أكتب لك من القلب إلى القلب، رغم أنني لا أعرفك ولم ألتق بك في حياتي الصحفية ولا مرة واحدة، ولكنني أنبهك إلى أمر مهم، وهو أنّ القرارات إذا لم «تتابع» بجديّة وتنفّذ فوراً ودون تأخير، فإنّ مصيرها سيكون (الموت السريري)، بمعنى أنّ القرارات ستكون حية ولكنها ميتة في نفس الوقت، وهذا ما أخشاه على القرارات الأخيرة التي أصدرها معاليكم كقرار (نطاقات) في القطاع الخاص، وقرار تأنيث محلات بيع لوازم النساء الذي جاء من حكيم بلادنا خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله -، وقرار الشركة الوطنية للاستقدام، ونحن ننتظر المزيد من مثل هذه القرارات التي ستسعدنا كمواطنين وتسعد الوطن..!
لقد حزّ في نفسي (التأجيل) الذي حدث في تطبيق قرار عمل النساء في الأسواق وتمديده ستة أشهر أخرى، بعد أن كان يفترض أن يتم في 1-7-1432هـ، وأخشى أن يندثر ويموت مثل غيره, وحزّ في نفسي أيضاً تأخير تطبيق (نطاقات) على الشركات والمؤسسات والقطاع الخاص بشكل عام، وأخشى عليه هو الآخر أن يتوارى ويتحوّل إلى الأدراج ويبقى المعنيون بالأمر يلفون ويدورون ويعتذرون، وفي الآخر تبقى الشركات والمؤسسات السعودية بلا «سعودة»!!
وعلى ذكر «نطاقات» يا معالي الوزير أحب في هذا المقال المتواضع أن أبيّن لك بعض الأمور والتي تدور في القطاع الخاص وقبل تطبيق (نطاقات)!
وهو أي «القطاع الخاص» بقضِّه وقضيضه ومديريه وأصحاب الشركات يحاربون السعودة قبل (نطاقات) فما بالك يا معالي الوزير لو «طُبِّق» نطاقات..؟!
إنهم سوف «يطفّشون» أبناء الوطن وسيحاربونهم بشتى الطرق ويحاولون العودة إلى ماضيهم البائس وجشعهم المستدام والعودة إلى الاستعانة (بالأجنبي) رخيص الثمن، فهم لا يهمهم الوطن ولا أبناء الوطن، همّهم الوحيد (المال ثم المال ثم المال فقط).!
يا معالي الوزير:
إنني أقول لك وبصراحة وشفافية إنّ حربهم على (السعودة) جاءت قبل نطاقات بعشرات السنين وسيستمر بعد نطاقات، إذا لم تتدخّل شخصياً وتصدر قراراً تاريخياً سيكون هو (المنصف) حقاً لمن ينتمي أو يعمل مجبراً في (القطاع الخاص)، وأتمنى يا معالي الوزير أن تجيبني بصراحة كمسؤول أولاً وكمواطن ثانياً على هذه الأسئلة:
هل ترضى أن تعمل ستة أيام في الأسبوع؟!
ولعلم معاليكم فقط إنّ جميع دول العالم من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب بما فيها الدول المجاورة والعربية الأخرى، ينعمون بيوميْ إجازة في القطاعات الحكومية والخاصة (الجمعة والسبت)، وفي أوروبا وأمريكا وآسيا وأستراليا وأمريكا الجنوبية، إجازتهم (السبت والأحد) إلاّ قطاعنا الخاص يعمل ستة أيام في الأسبوع، وبدون تعويض عن اليوم (السادس)، وهذا فيه تطفيش لعمل السعودي والسعودة بشكل عام.
الأمر الآخر هل يوجد في الدنيا من يعمل (ثماني) ساعات؟! لا يفعل ذلك إلاّ القطاع الخاص عندنا، أضف إليها ساعة قبل العمل وساعة بعد العمل بسبب (الزحام) ليكون عمل السعودي 10 ساعات في اليوم وستة أيام في الأسبوع، إنه (التطفيش) كما ذكرت والحرب على السعودة من هؤلاء الذين لا يخافون الله.
الأمر الثالث والرابع والعاشر هي الضغوط التي يواجهها (السعودي) في العمل بالقطاع الخاص والتشديد عليه ومراقبته وتهديده الدائم بالفصل والخصم وعدم الترقية!!
يا معالي الوزير إنني آمل وقبل أن تطبّق (نطاقات) الذي أجزم أنه سيُخترق بطرق ملتوية من أصحاب العمل، أن تعيد النظر في الإجازة الأسبوعية للقطاع الخاص، شأنه شأن القطاع الحكومي وشأنه شأن كل قطاعات الدنيا في بلاد الدنيا، وأيضاً أن تعيد النظر في ساعات العمل الشاقة البالغة ثماني ساعات، والإنسان يا معالي الوزير كائن حي له أعضاء ومشاعر وليس آلة تعمل على مدار الساعة.
إن هذه الأمور إذا لم تطبّق قبل نظام (نطاقات) فإن الفشل سيحالفه و(السعودة) ستحارب بشتى الطرق من هؤلاء الذين ليس لهم ضمير، وسيتحوّل (نطاقات) إلى أشبه بـ(طقاقات) في حفل زواج يحيون الحفل ليلة ثم ينتهي دورهن، وبالتالي سنعود إلى نقطة «الصفر» والبطالة الدائمة .. والله المستعان.
عبد الله الكثيري