كنت أول من ابتهج بقرار إيقاف استقدام العمالة المنزلية من إندونيسيا والفلبين، وكنت أردد بأنه أخيراً انتبهت وزارة العمل للمواطنين، بعد انتظار البعض أكثر من تسعة أشهر من إصدار تأشيرات خادمات من الفلبين، قلت بأنها ستنصفنا أخيراً، وأنها ستتفاوض من أجلنا، وحتى تنجز مفاوضاتها العظيمة ستفتح باب استقدام العمالة المنزلية من دول أخرى منافسة ومشابهة كتايلاند، لكن كل ذلك لم يحدث!.
ما حدث هو أن التوقيت العجيب مع رمضان، وهو الشهر الذي تزدهر فيه تجارة البشر، والبيع فيهم والشراء، ومع إيقاف الاستقدام من هاتين الدولتين معاً، وعدم فتح فرص الاستقدام من دول مشابهة، إذ لم تكن أثيوبيا وكينيا، دولا منافسة للعمالة القادمة من شرق آسيا، حدث انتشار سوق رهيبة من البيع والشراء، وبشكل علني، عبر مئات الإعلانات الصحفية، التي بلغت بعضها المجاهرة بأرقام البيع التي تجاوزت عشرين ألف ريال للخادمة الإندونيسية أو الفلبينية، فضلاً عن التأجير المنتهي بالهروب، والذي تجاوز سقف الأربعة آلاف ريال.
فمن المسؤول عن هذه الفوضى، هل هي وزارة العمل، مكاتب الاستقدام، سفارات هذه الدول، أم المواطن نفسه؟ سأسرد لكم قصة «حمامة» وهي الخادمة التي تقضي حياتها بين البيوت بمنتهى الحرية، كالحمامة التي تلقط الحب في بيت هذا الشهر، ثم تطير وتحط في بيت آخر، وهذه التسمية - بالمناسبة- تطلقها الخادمات أنفسهن على من تعمل في البيوت لحسابها، فهذه الخادمة إما أنها ممن لديهن خبرة جيدة بنظام الفوضى هنا، وأسمي الفوضى نظاما، لأننا استطعنا وبامتياز، أن نقنن الفوضى ونحترمها ونبحث عنها، أو أن تكون هذه الخادمة قد تورطت بكفيل لا يدفع لها راتبها الشهري، وقد تكون ممن يسمع عن سرقات الكفلاء لجهدهن وعرقهن، فما يكاد أن يمر شهران على عملها، دون أن تستلم مرتبها، تبدأ تفكر بالهروب العظيم، يساندها في ذلك سائقون من بني جلدتها، وبمعرفة كفلائهم للأسف، فيبدأ بالترتيب لبيعها أول مرة، إما عن طريقه أو عن طريق كفيله، فيستأجرها مواطن يعلم أنها هاربة من مواطن آخر، وقد يكون هو قد تعرض لهرب خادمته، ويختلف مبلغ التأجير حسب الوقت، هل هو موسم أم غير ذلك، ما بين 1500 و4000 ريال للشهر، ولا أحد يعرف ماذا تفعل في هذا البيت وغيره من مشاكل أخلاقية وأمنية، لأن لا أحد يعرف اسمها ولا جواز لديها، بل قد تعمل كل شهر باسم جديد، وربما تقابل خادمات لأقارب هذا المواطن، فتمنحهن أرقام سماسرة الشوارع، وتساعد على تهريبها، لأنها تجني مبالغ أكبر، وفي النهاية تذهب إلى مطارها الخاص، وهو مركز رعاية شؤون الخادمات، لتوفر لهن سفراً آمناً مريحاً.
كنا ظننا وزارة العمل حينما قررت إيقاف الاستقدام قبل شهر، ستبادر عبر أحد مسؤوليها، أو عبر متحدثها الرسمي، ليخبرنا بسير المفاوضات مع هذه الدول، وما أسفرت عنه، وما القرارات الجديدة المتخذة بهذا الشأن، لكن يبدو أنه ليس ثمّة مفاوضات ستسفر عن نتائج، وأن الأمر لا يختلف عن نظام مشاجرات الحارات القديمة بين الصغار، حينما يشد أحدهم بياقة الآخر، وهو يصيح: فك وأفك!.