الجواب المُسكت يتطلب ذهناً حاضراً وبديهةً سريعة، وليس كل الناس يستطيع ذلك، وقد سجّل التاريخ نوادر من هذه الأجوبة اللاذعة والطريفة، منها أنه قيل لبشار بن برد: إن فلاناً يزعم أنه لا يبالي بلقاء واحد أو ألف في الحرب. فقال: صدق، لأنه يفر من الواحد كما يفر من الألف.
وناظر سعيد بن حميد الدهقان بعض أحفاد أبي لهب، فقال: من فضلنا نحن الفُرس أن لنا بيوت النيران. فقال اللهبي: وجهنم قطيعة لجدي.
خاصمت امرأة زوجها في تضييقه عليها وعلى نفسه فقالت: والله ما يقيم الفأر في بيتك إلا لحب الوطن، وإلا فهو يسترزق من بيوت الجيران.
قال ابن قتيبة: جاءتني جارية بهديّة فقلت لها: قد علم مولاك أني لا أقبل الهدية. قالت: ولم؟ قلت: أخشى أن يستمد مني عِلماً لأجل هديته. فقالت: استمد الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر، وقد كان يقبل الهديّة. فقبِلتها، فكانت الجارية أفقه مني.
قال الجاحظ: قال ثمامة: دخلت إلى صديق لي أعوده وتركت حماري على الباب، ولم يكن معي غلام، ثم خرجت، وإذا فوقه صبي، فقلت: أتركب حماري بغير إذني؟ قال: خفت أن يذهب فحفظته لك. قلت: لو ذهب كان أحب إلي من بقائه. قال: فإن كان هذا رأيك في الحمار، فاعمل على أنه قد ذهب وهَبْه لي، واربح شكري. فلم أدر ما أقول.
قال بشر الحافي: أتيت باب المعافى بن عمران، فدققت الباب فقيل لي: من؟ فقلت: بشر الحافي. قالت لي بنيّة من داخل الدار: لو اشتريت نعلاً بدانقين ذهب عنك اسم الحافي (والدانق سدس الدرهم).
قال الربيع الحاجب لِشَريك بين يدي المهديّ: بلغني أنك خُنت أمير المؤمنين. فقال شَرِيك: لو فعلنا ذلك لأتاك نصيبُك.
وألقى أحدهم خطبة، فلما بلغ «أما بعد» أُرتِجَ عليه وذهل ولم يعرف ما يقول، ونَظرَ فإذا إنسان ينظر إليه، فقال: لعنك الله! ترى ما أنا فيه وتَلْمَحني ببصرك أيضاً؟
سأل أعرابيّ قوماً مالاً فقيل له: بورك فيك. فقال: قد وكلكم اللّه إلى دعوةٍ لا تحضرها نيّة.
وقال الحسن البصري لفرقدٍ السّبخيّ: يا أبا يعقوب، بلغني أنك لا تأكل الفالوذج (نوع فاخر من الحلوى). فقال: يا أبا سعيد، أخاف ألاّ أؤدّي شكره. فقال: يا صغيراً في العلم! وهل تؤدّي شكر الماء البارد في الصّيف والماء الحارّ في الشتاء؟ أما سمعت قول اللّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} البقرة 172.
دخل رجل على عبد الملك بن مروان وحادثه، فأعجِب الخليفة بحديثه وقال له: إنك لرجل لولا أنك تَلْحَن (اللحن هو الخطأ في اللغة). فقال الرجل: ابنك الوليد يلحن. فقال عبد الملك: ولكنّ ابني سليمان لا يلحَن. فقال الرجل: وأنا أخي أبو فلان لا يلحن!
كان هارون الأعور يهودياً فأسلم، وحسن إسلامه، وحفظ القرآن وضبطه، وضبط النحو، فناظره إنسان يوماً في مسألة فغلبه هارون، فلم يدرِ المغلوب ما يقول، فقال له: أنت كنت يهودياً فأسلمت! فقال له هارون: فبئس ما صنعت؟ فغلبه في هذه أيضًا.
قال المنصور لبعض الخوارج وقد أُتي به أسيراً: أخبرني أي أصحابي كان أشد إقداماً في مبارزتكم؟ فقال: ما أعرف وجوههم مقبلين، وإنما أعرف أقفاءهم، فمرهم أن يدبروا لأعرفك أشدهم إدباراً.
وقال الخليفة هشام بن عبد الملك يوماً لأصحابه: من يسبني ولا يفحش وهذا الثوب له؟ وكان فيهم أعرابيّ فقال: ألقهِ يا أحول. فقال: خذه قاتلك الله. وكان في عيني هشام حَوَل.