كنت أتصفح إحدى المجلات البريطانية المتخصصة في نشر قصص وحكايات كبار الشخصيات البريطانية، ومن هذه الحكايات، حكاية وزير بريطاني خالف الأنظمة المرورية في بلاده، فكانت هذه المخالفة كمكافأة لشرطي المرور الذي تجرأ وحرر هذه المخالفة، أنقلها لقرائي الكرام كما نشرتها المجلة البريطانية بكل شفافية ومصداقية.
هذه الحكاية أهديها أنا شخصياً أولاً: إلى كل شرطي مرور مخلص وصادق في تأدية عمله وتطبيقه قوانين وأنظمة إدارة المرور دون أن يفرق بين صغير أو كبير في الوظيفة أو المركز الاجتماعي.
ثانيا: أهديها إلى كبار الشخصيات في بلادنا واخص بالذكر الوزراء والأمراء الذين لا يترددون في تطبيق الأنظمة والقوانين إن كانت مرورية أو غيرها ومكافأة من يطبقها بإخلاص.
ثالثا: أهديها لكل من يعترف بخطئه حينما يرتكب مخالفة مرورية (والاعتراف بالخطأ فضيلة).. وتقول الحكاية:» في العطلة الأسبوعية الرسمية لبريطانيا، ارتكب وزير بريطاني مخالفة مرورية وسط إحدى الأسواق في العاصمة البريطانية (لندن)، حيث أوقف سيارة الحكومة المخصصة له بالموقف المخصص لذوي الاحتياجات الخاصة، وبعد عودته بدقائق معدودة من التسوق وجد تذكرة المخالفة ملصقة على نافذة السيارة وبها اسم الشرطي الذي حررها ورقم شارته، وبينما الوزير يهم بمغادرة المكان، شاهد الشرطي الخمسيني وجهاً لوجه». بعد مرور عدة أسابيع على المخالفة، رن هاتف منزل الشرطي، وكان المتصل قيادة الإدارة العامة للمرور بمحافظة لندن، وقال له المتصل (راجع إدارة المرور حالا للأهمية)، فقال الشرطي لزوجته، كنت أتوقع انهم سيتصلون بي وربما سيفصلونني عقاباً على تحريري المخالفة للوزير، واستباقاً للأحداث وضعت بدلة الشرطة مع الشارة في هذا الكيس الكبير (وسأسلمها لهم مع استقالتي و- الحمد لله - جاءت منهم، فاستشاطت الزوجة غضباً، وأقنعته أن يتكل على الله ويتحمل ما سيتم في حقه، فهو لم يرتكب جريمة بل هو طبق للقانون.. والقانون فوق كل شيء.
وبالفعل ذهب الشرطي لإدارة المرور، وما إن دخل مطأطئ الرأس على مساعد وزير الداخلية البريطاني، فوجئ بوجود الوزير صاحب المخالفة جالسا أمامه، فزاد توتره وخوفه إلا أنه تذكر كلام زوجته أنه طبق القانون ولم يرتكب جريمة يعاقب عليها، إلا أن المسؤول في الداخلية قال له بابتسامة: «لقد أخبرنا معالي الوزير بكل ما حدث، وعن إخلاصك في عملك وجرأتك التي لم تتأثر بشخصية الوزير لان معاليه اقر شخصياً أنه خالف القانون وأنت طبقته؛ لذا فقد قدم معاليه توصية خاصة بك إلى وزير الداخلية، وهي ترقيتك شارتين تحتاج عشر سنوات لتحصل عليها، وزيادة في راتبك تعادل الضريبة الحكومية التي تخصم من راتبك الشهري، إضافة إلى هذا المبلغ في هذا الظرف مقدم لك من صندوق الإعانات الخاصة برواتب شرطة المرور. إضافة إلى اختيارك من إدارة المرور كالشرطي المثالي البريطاني لهذا العام وسيتم توزيع صورتك واسمك على جميع وسائل الإعلام البريطانية.. كلمة أخيرة أقولها لك: وزارة الداخلية البريطانية تفتخر بأمثالك.. وبريطانيا العظمى تعتبرك أحد جنودها الأوفياء.. بعد سماعه لهذا التقدير والاحترام والمكافآت المالية والمعنوية اختلطت دموعه بابتساماته.. وشكر جميع المسؤولين في وزارة الداخلية.. وشكر الوزير البريطاني الذي تفهم مسؤوليته في تطبيق النظام.. وعاد إلى زوجته الحكيمة التي طبقت المثل القائل: «وراء كل شرطي مخلص.. زوجة حكيمة».
أخيرا، أتمنى أن اقرأ في صحفنا الوطنية حكايات عن احترام وتطبيق الأنظمة بصورة عامة..!!!
farlimit@farlimit.com