تابعت آراء بعض الأخوة في هذه الصفحة حول الغلاء وأزمة الشعير وغيرها وأقول: إن المتابع للساحة الاقتصادية في المملكة يلاحظ توالي الأزمات عليه عاماً تلو عام, فما أن تخمد أزمة حتى تطفو أزمة أخرى على السطح, وذلك في ظل غياب الدور الفاعل للهيئات الرقابية.
فمن الملاحظ في السنوات الأخيرة نقص أو شح شديد طال مواد أساسية في الأسواق المحلية؛ فهناك أزمة الشعير والتي لاتزال قائمة منذ أشهر حيث ألقت بظلالها السوداء على سوق المواشي رغم كون المملكة من أكبر مستوردي الشعير في العالم, وكذلك أزمة الدقيق بسبب لجوء بعض مربي المواشي إلى استخدامه علفاً لمواشيهم بسبب رخص ثمنه (حيث أصبح سعر كيس الدقيق حالياً يساوي نصف سعر كيس الشعير!).
ولا ننسى أزمة الإسمنت التي تنشأ بين فترة وأخرى رغم انتشار مصانعه في معظم مدن المملكة.
كما يلوح في الأفق بوادر لعودة أزمة الحديد من جديد, سواء من ناحية ارتفاع الأسعار أو شح المعروض.
وعلى المستوى الخدمي, فهناك حالات انقطاع للكهرباء في عدد من مدن المملكة في وقت تشهد فيه المملكة ارتفاعاً شديداً في درجات الحرارة! ولا ننسى ما قامت به بعض شركات الألبان في المملكة مؤخراً من رفع سعر عبوات الألبان سعة 2 لتر من 7 إلى 8 ريالات, أي بنسبة زيادة 14.3% قبل أن تعيدها وزارة التجارة إلى سعرها الأول؛ حيث قامت بإخضاع الحليب والألبان الطازجة لأحكام «التموين التنظيمي» في الأحوال غير العادية, واعتبرت كل من يرفع الأسعار أو يمتنع عن البيع بالسعر المحدد «مخالفاً» وتطبق عليه العقوبات المنصوص عليها.
ولا تتوقف الأزمات عند هذا الحد, بل هناك أزمة مياه الشرب وحليب الرضع وغيرها الكثير, مما يدعونا للتساؤل عن سبب كل هذه الأزمات المتلاحقة, رغم كون البيئة الاقتصادية في المملكة من أفضل البيئات في العالم.
فقد أوضحت مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في أحدث نشرة إحصائية لها حول صادرات المملكة إلى أن قيمة الصادرات بلغت أكثر من37 مليار ريال, بارتفاع 14% عن العام الماضي.
كما أن المملكة احتلت المركز الـ 18 عالمياً بين الاقتصادات الأدنى مخاطرة في أسواق الائتمان, والمركز الـ 2 عالمياً في قائمة الاقتصادات الأفضل أداء (بحسب التصنيف الذي أصدرته مؤسسة سي.ام.ايه داتا فيجن.) وبحسب التصنيف العالمي لغلاء تكاليف المعيشة فقد احتلت كل من الرياض وجدة مراكز «متوسطة» عالميا ما بين العاصمة الأنغولية لواندا التي صنفت الأكثر غلاء في العالم ومدينة كراتشي التي صنفت أرخص مدينة في العالم! ومن الواضح أن هناك سوء تخطيط يؤدي إلى حدوث الأزمات المتلاحقة, كما اننا لا نغفل دور بعض التجار والموردين الذين يقومون باحتكار بعض السلع في مخازن سرية بعيدة عن «أعين الرقابة» لكي يبيعوها بأضعاف ثمنها فيما بعد. وطوابير الشعير التي تمتد لعشرات الأمتار وتستمر لعشرات الساعات أكبر دليل على هذا.
وهنا يأتي دور وزارة التجارة وحماية المستهلك والبلديات والأجهزة الرقابية لحماية المستهلك ووضع حد لهذه الممارسات المشينة التي من شأنها الإضرار باقتصاد البلد.
إن من أنجع الحلول لمواجهة مثل تلك الأزمات والحد من ظلالها السوداء قيام الجمعيات التعاونية في المملكة بمسؤولية توزيع المواد الأساسية التي يتكرر نفاذها من الأسواق, والتي يسبب شحها أو غيابها أزمةً اقتصادية خانقة «وفي مقدمتها الشعير».
أما على المستوى البعيد, فمن المستحسن استحداث هيئة حكومية «لمواجهة الأزمات»؛ تقوم على مراقبة السوق المحلي, وعمل الخطط الإستراتيجية التي من شأنها مواجهة الأزمات الاقتصادية داخلياً وخارجياً, والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه التلاعب, فالوطن للجميع بلا استثناء.
محمد عبد الله الحميضي - شقراء