قبل أن أتطرق إلى الخبر الذي تناقلته جميع وكالات الأنباء العالمية ووسائل الإعلام المختلفة من مرئية ومسموعة ومقروءة حول قيام الكوريين بأخذ دورات تدريبية على الموت في جنازات وهمية، أحب أن أعرج بكم إلى شاعرنا العربي اللبناني جبران خليل جبران في قصيدته المشهورة: (كنت في الموت والحياة كبيرا).. حيث يقول فيها:
كنت في الموت والحياة كبيرا هكذا المجد أولاً وأخيرا
ظلت في الخلق راجع الخلق حتى نلت فيهم ذلك المقام الخطيرا
فوق هام الرجال هامتك الشماء تزهو علي وتزهر نورا
عبرة الدهر أن ترى بعد ذلك السجاة في حد كل حي مصيرا
ما حسبنا الزمان إن طال ما طال مزيلا ذلك الشباب النضيرا
إن يوما فيه بكينا حبيبا ليس بدعا إن كان يوما مطيرا
وفي القرآن الكريم الآيات الكريمة التي تتحدث عن الموت والحياة كثيرة وكثيرة.. وقد اقترنت المفردتان في الآية الكريمة الثانية من سورة الملك قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.. ولعلنا نلاحظ ذكر الموت قبل ذكر الحياة.. وقد اجتهد المفسرون في تفسير ذلك، حيث قالوا: «خلق الموت قبل خلق الحياة معناه أن الأجل مقدر في داخل الخلية الحية، وإن كلا الأمراض والأحداث العارضة، والشيخوخة، وغيرها من الأحداث الحيوية مقدر كذلك ومدون في الشيفرة الوراثية، وقد ثبت أن طول الأغطية الطرفية للصبغيات يحدد عدد مرات انقسام كل خلية حية، وبالتالي يحدد أجلها قبل خروج الحمل من بطن أمه. وذكرني هذا التفسير بالآية الكريمة في قوله تعالى: {وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} (29) سورة الأنعام. ونعود للخبر الذي نقلته وكالات الأنباء العالمية وهو عند بلوغ المواطن الكوري (الثانية والستين) من عمره، يشعر بأن الموت يقترب منه، فيبدأ الاستعداد للموت كما استعد من قبل للزواج.. فينضم إلى دورة تدريبية على ملاقاة الموت، يوضع خلال الدورة في نعش يصمم لأجله بعد أن يدفع تكاليف الدورة والتي تشمل الكفن والنعش.. والكفن في كوريا تقليدي بلون أصفر ثم يوضع المتدرب على الموت في النعش لمدة (24) ساعة لا طعام لا شراب لا زيارات ولا حتى هاتف (جوال).. حينها يشعر بأقسى مخاوفه إلا أنه يتطهر من كل رجوسه وآثامه وجرائمه وأخطائه الحياتية.
دعونا نسمع تجربة أحد من نال شهادة الدورة بامتياز بعد ان خضع لتجربة هي كما يقول عنها: أقسى تجربة في حياته. يقول المواطن الكوري (هايوسن -65 سنة) بعد أن خرج من النعش: «لقد تنفست الصعداء حين تذكرت أن هذه ليست جنازتي الحقيقية، بل مجرد جنازة وهمية.. وأضاف: هناك خطوة واحدة تؤكد لنا هذه التجربة أنني سأخفف على أحبائي وعلى نفسي حين - بالفعل - يزورني عزرائيل ليقبض روحي تكون الصدمة أخف».
يطلق على هذه الدورة اسم (الموت بشكل جيد) وينظمها مكتب تابع للإدارة المحلية في شمال غرب العاصمة الكورية الجنوبية (سيؤول).. من أهداف هذة الدورة أن تجعل الإنسان أكثر تقديرًا لكل ما يملك وما حوله من قدرة الله عز وجل.. وأن لا يكون جشعًا بعد الآن.. وأن يحب ويحترم الآخرين.. وأن يبتعد عن الخيانة بكل أنواعها، وأن يبتعد عن الإجرام والجرائم والإرهاب.. ويكون قريبًا من ربه عز وجل!! تأثرت بالفعل حين قرأت هذا الخبر والنتائج التي حصل عليها المشتركون في الدورة.. وتمنيت من أولئك المصابين بأمراض الفساد والإجرام والمخدرات والغش والخداع ومعصية الرحمن في عالمنا العربي والإسلامي أن تفرض عليهم هذه الدورة لنرى نتائجها عليهم وعلى الآخرين وعلى بلدانهم!!
farlimit@farlimit.com