يَحثُّ الإسلامُ على التعاون والتراحم والاجتماع فيما بين المسلمين، وينهى عن الاختلاف والتخاصم؛ لتكون القلوب متصافية، والأيدي متصافحة، والنفوس متسامحة. وكل نفس تسعى إلى الإصلاح؛ لما فيه من الخير والفلاح كما أخبر الله عن ذلك بقوله: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114]، وقال تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128]؛ إذ به تحل الألفة مكان الفُرْقة، والمحبة مكان البغضاء، وبالإصلاح يُقضى على الخلاف الواقع بين الإخوان.
) وقد بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن السعي في الإصلاح بين المتخاصمين، وإزالة الشقاق من نفوسهم، من أفضل القربات إلى الله، فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟»، قالوا: بلى، قال: «إصلاح ذات البَيْن». قال: «وفساد ذات البين هي الحالقة». وإصلاح ذات البَيْن جاء الأمر به في قول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُم} [الأنفال: 1] والمعنى: أصلحوا حقيقة ما بينكم من التشاحن والتقاطع والتدابر، بالتواد والتحاب، والتواصل.
) وقد بوَّب البخاري في صحيحه بقوله: باب فضل الإصلاح بين الناس والعدل بينهم، ثم ساق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كل سلامى من الناس صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الناس صدقة..»، أي يصلح بين الناس صدقة؛ لأن الإصلاح نوع من العدل.
) والصلح بين الناس يترتب عليه مصالح الحياة، وتنشأ عنه منافع العباد، وثمرات الأُسَر، ويَعود أثره على أفراد المجتمع كافة، وبالإصلاح تقل الجنايات، وتخف الجرائم، وتضمحل الشرور، ويستقيم نظام الحياة، ويعيش الناس في سعادة ووئام، وغبطة وسلام.
) فلو قام كل واحد بواجبه وفي محيط قدرته بالإصلاح بين المتخاصمين إن وجد، وأصلح ما بينهما في أول الأمر، ابتغاء مرضات الله لما استحكم التنافر بينهما، وقد وعد الله بالأجر العظيم والثواب الجزيل لمن يقوم بمهمة الإصلاح في قوله سبحانه: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114].
) والصلح كله خير؛ لأنه يغرس في نفوس الناس فضيلة العفو والتسامح، وتركُ الإصلاح بين الناس يؤدي إلى استشراء الفساد، وقسوة القلوب، وضياع القيم الفاضلة، ويوجد القطيعة والكراهية؛ فما كثر الخصام والتنازع والخلاف والشجار بين كثير من الناس إلا بسبب إغفال هذا المعنى العظيم والخلق الرفيع.
والله ولي التوفيق.
* وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود