في عصرنا الحديث هناك ظواهر جديدة تستحق الرصد والتدقيق والدراسة، وهي ظواهر ذات علاقة بالملبس والمأكل والمشرب وبعادات اجتماعية مثل الزواج، والحفلات النسائية، وقضاء وقت الفراغ لدى الرجال، إضافة إلى ظواهر جديدة للتعبير عن المواقف السياسية والفكرية والإيمانية، كما أن هذه الظواهر قد امتدت إلى الثقافة وأساليب التواصل، وطرح الطرائف والملح ذات البعد الاجتماعي والسياسي وغيرها كثير. وما نحن بصدده في هذه العجالة هو الحديث عن ذلك التواصل المكتوب من خلال الرسائل الهاتفية باستخدام وسائل التقنية المتاحة والمتسارعة في التغير والتطور. ولقد توقفت كثيراً عند نمط من تواصل بلغة عربية عامية مكتوبة بحروف أجنبية تحوي بعض المصطلحات المتفق عليها بين هذا الجيل الجديد، المستخدم بمهارة فائقة ما هو متاح من وسائل تواصل حديثة، كأن يرمز الرقم ثلاثة باللغة الإنجليزية إلى حرف العين العربي، وأن يرمز الرقم سبعة باللغة الإنجليزية لحرف الحاء. وهكذا، وأصبحت هذه الرموز سائدة ومتعارف عليها، وتعتبر أداة لنقل المعنى بين المتواصلين بكل يسر وسهولة. هذه الظاهرة الجديدة، يصعب عليّ فهم لجوء الجيل الجديد إليها، رغم أنهم قادرون على كتابة ما يرغبون في كتابته بلغة عامية وحرف عربي، طالما أن الأغلب لا يجيد التعبير بلغة عربية فصحى، وقد يكون من المستحسن أن يقوم علماء النفس والاجتماع والصوتيات وغيرهم بدراسة الظاهرة دراسة مستفيضة، فهو تطور جديد، أتمنى ألا يمر دون تأمل ودراسة. ولابد من طرح تساؤلات حوله، فهل هو ظاهرة عجز لغوي؟ أو عدم قدرة على نقل المعنى بحروف عربية؟ أو أن استخدام الحرف الإنجليزي في الأجهزة الحديثة أسرع وأيسر من استخدام الحرف العربي؟.. أو أن الحروف الإنجليزية أكثر وضوحاً وأسهل من نظيرتها العربية؟ إنها ظاهرة تستحق البحث عن وجهة نظري، وربما يقودنا ذلك إلى ماهو أبعد حيث يتم بناء جيل جديد يقوم بكتابة اللغة العامية بهذه الأحرف الإنجليزية، فيتقلص استخدام الحرف العربي واللغة الفصحى إذا انتقل ذلك التواصل التقني إلى تواصل مكتوب على الورق، مع اليقين أن ذلك لن يقود بأي حال من الأحوال إلى اضمحلال اللغة العربية الفصحى والحرف العربي، أو يقل لمن استخدامها. لقد قادتني هذه الظاهرة إلى ظاهرة مماثلة في الأسلوب مختلفة في الشكل كانت سائدة في الأندلس أيام وجود المسلمين هناك، فبعدما بدأت حبات عقد الأندلس تتساقط، وأخذ المسلمون في الانسار ليحل محلهم النصارى، بقي بعض من المسلمين تحت الحكم الجديد بموجب معاهدات التسليم، كما أن عدداً قليلاً من المسلمين كان يلجأ إلى تلك الممالك النصرانية خوفاً على نفسه من الاقتتال الذي يحدث بين الممالك الإسلامية، أو الحروب الداخلية في تلك الممالك الإسلامية، وقد أطلق على أولئك المسلمين القاطنين في البلاد يحكمها النصارى «المدجنون»؛ وقد عاشوا فترات طويلة من الزمن قبل إجبارهم على التنصر فيما بعد، ومن ثم أطلق عليهم «مورسكيون» أو النصارى الجدد، ولكنه تم طردهم، عندما أخذ الحكام الجدد يشككون في مسيحيتهم، ويرون أنهم مسلمون يخفون إسلامهم. وهذا موضوع طويل جداً، وما يهمنا هو ذلك النمط من الكتابة التي سميت «الأخميادو» وهي كتابة اللغة الرومنثية القديمة، المنبثقة عن اللغة اللاتينية المنحطة، والتي كانت سائدة في إسبانيا، وسبب كتابتهم تلك، بالحرف العربي هو ضعف لغتهم العربية مع مرور الزمن وإندماجهم في المجتمع الجديد بلغته الجديدة غير العربية إلا أنهم قد احتفظوا بالحرف العربي في كتابة آيات من القرآن الكريم، وعقود الزواج، والمواريث وملكيات الأراضي، وغيرها، وكانوا يضعون على الحروف العربية بعض الرموز مثل الفتحة والنقطة للدلالة على صوت في لفظ معين. وما زال حتى يومنا هذا نحو 750 مخطوطاً مكتوباً بهذا الخط، وهناك عدد محدود جداً من تلك المخطوطات قد تم تحقيقه وترجمته، لكن هذا التشابه العجيب بين الأمس واليوم في كتابة التعابير مع تباين الحرف للدلالة على المعاني يستحق البحث. فهل ضعف الحرف العربي لدى الجيل الجديد، جعله يعزف عن استخدامه واللجوء إلى غيره؟.. لست أدري.