هوس «الدكترة» وحلاوة وضع حرف الدال والنقطة أمام الاسم الكريم لزوم «البرستيج» والحصول على المنصب والفوز بعروض القنوات الفضائية المسيلة للعاب دفعت المستعجلين واللي ماعندهم «فضوة» للدراسة والمذاكرة والسهر والاغتراب ووجع الرأس للتزاحم حول أبواب «جامعات الدكاكين» ودفع الأموال بالدولار للحصول على الورقة المختومة وما يهم تعتمدها وزارة التعليم العالي المهم أنها جواز مرور لكسب الرزق والترزز والظهور. دكاترة الشهادات نظام المستعجل اكتسحوا الساحة وسيطروا على الفضاء تجدهم في كل قناة في برامج تفسير الأحلام وتطوير الذات والتحليل النفسي والإصلاح الاجتماعي وحل المشاكل الأسرية والزوجية وعلم الفلك والمناخ ووصلوا للتحليل الرياضي الذي اقتحموه بقوة وفي معظم البرامج الدينية والسياسة والاقتصادية وجدوا لأقدامهم مواضع راسخة وثابتة وأتمنى لو أن القنوات تطلب من المتعاملين معها بشكل دائم صورة الشهادة والأصل للمطابقة وعدم الاكتفاء بالسيرة الذاتية وتكمل القناة جميلها لو عرضت نبذة من السيرة الذاتية للمشاهدين ليكحلوا عيونهم باسم الجامعة التي تخرج منها «سعادة الدكتور» فقد تزول دهشتهم ويقل انبهارهم!
لم يقتصر نشاطهم على الفضاء بل امتد إلى مجال التدريب الذي عاث فيه دكاترة القص واللزق بما فيه الكفاية فالمسألة بسيطة وغير مكلفة. كل مافي الموضوع إعداد حقيبة تدريبية أو نسخها من الحقائب الجاهزة وحفظ محتواها وتقديمه للمتدربين المساكين الذين لا يعلمون شيئا عن مصدر شهادة مدربهم وأنها شهادة مضروبة وصلته عن طريق النت أو البريد السريع دون أن يدرس مقررا واحد حفظا لماء الوجه أو يقدم بحثا أو يدخل قاعة اختبار.
ما دام أن من يشرفون على القنوات أو البرامج التدريبية أو الوسائل الإعلامية وبالذات التجارية يكتفون بالسيرة الذاتية ولا يسألون عن الشهادات ومصداقيتها فقد وجد دكاترة التأهيل السريع المجال مفتوح النوافذ مشرع الأبواب للعبور واقتناص الفرص قبل أن يصل إليها أصحاب الحق الأصليون وهم الدكاترة الحقيقيون ومن أفنوا سنوات من أعمارهم في السهر والتحصيل والاختبارات والبحوث المرهقة وعاشوا بعد التخرج بعيدا عن الأضواء منشغلين بالتدريس في قاعات الجامعة والبحث في مختبراتها والعمل في مؤسسات ودوائر الدولة.
كنت أعتقد أن هذه الظاهرة الاجتماعية السيئة قد بدأت بالتواري والانحسار بعد تركيز الإعلام عليها وفضحها ومحاولات بعض الجهات الحكومية سد كل الطرق أمام المتسلقين لولا أن اعتقادي قد تبخر فقد وصل إلى إيميلي طيلة الأسابيع الماضية رسائل إعلانية كثيرة تدعو لمثل هذا النوع من الشهادات المزيفة. من هذه الإعلانات إعلان لفت انتباهي أجزم بأنه قد وصل الآلاف بعثه أحد المكاتب المتخصصة في الترويج لشهادات الدكتوراه المضروبة معلنا عن برنامج تحت مسمى «برنامج الدكتوراه المتميز بنصف السعر» يعني الجماعة ما هم مقصرين أبدا مع الزبائن فالتخفيضات جاهزة ويمكن لو حاول الزبون يسجل بربع المبلغ ما فيه مشكلة فالعملية غير مكلفة لا تتعدى ورقة تمنح للمتقدم معتمدة ومصدقة من جامعة بريطانية مغمورة تضم لبقية جامعات «الدكترة السريعة» مثل الجامعة الأمريكية بلندن وجامعة كولومبس وتضمن لعملائها وهم من نوعية «طالب مادرسش حاجة» ثلاث سنوات دراسية معتمدة من التعليم العالي البريطاني دون أي شرط للحضور والإقامة في بلد الدراسة والشهادة تصل للزبون على بريده «توصيل سريع».
هذه الظاهرة الخطيرة بدأت تنخر في جسد المجتمع لتحوله إلى مجتمع أميّ ولم تجد الوقفة الصادقة حماية لقدسية العلم وإعزازا لمكانة المتعلمين الحقيقيين وصونا للمجتمع من خطر الزيف العلمي الذي لا زال ينتشر كالوباء.
shlash2010@hotmail.com