التفاعل الإيجابي وإسهام الدول بجدية في صياغة القرارات يضعان الأُطُر الدولية لكيفية تعامل الدول وحكوماتها مع الإنسان، خاصة فيما يتعلق بحقوقه والواجبات التي يجب أن يقوم بها وفق مفهوم المواطنة وارتباطها بإنسانية المواطن، بما يوفر له هذا الانتماء الحماية من حيف وجور بعض الأنظمة، كما يُحِدُّ من تجاوزاته التي تضر أقرانه من بني البشر.
ولقد اتسعت في الأعوام الأخيرة التدخلات الأممية فيما كان يُعتبر في وقت ما من الشؤون الداخلية للدول؛ وذلك للحد من التجاوزات التي ترتكبها بعض الأنظمة؛ ما فرض إصدار أنظمة وقوانين وقرارات توضح كيفية التعامل مع حقوق الإنسان والواجبات المطلوب منه أداؤها، وما يجب أن تقوم به الدول لحماية هذه الحقوق ومتابعة تنفيذ الواجبات.
وقد تعاونت المجتمعات البشرية، ونشط المفكرون والحقوقيون في صياغة العديد من القرارات والتشريع للقيم الإنسانية، التي يستمد الكثير منها من الشرائع السماوية، مع الاستفادة من الاجتهادات الثقافية والأخلاقية للثقافات المعاصرة، وأمكن في هذا الخصوص إنجاز العديد من الأنظمة والقوانين الأممية، من أهمها «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، إلا أن غياب - إلى حد ما - المشاركة الفعّالة للدول الإسلامية والعربية في صياغة هذا الإعلان جعل الإعلان لا يتطابق تماماً مع النصوص الشرعية للإسلام، بالرغم من أن الدين الإسلامي كان أول الأديان الذي رسّخ حقوق الإنسان؛ لذا فإن الإعلان به ضيم بل حتى تجاوز على المقاصد الإنسانية والشرعية، وبخاصة فيما يتعلق بالحدود والأحكام الشرعية التي تضمنتها الشريعة الإسلامية لحماية المجتمع من تجاوز الفرد.
الآن تجرى الجهود لوضع مشروع الإعلان العالمي لواجبات الإنسان، وحتى لا تكون بنوده وفقراته مقتصرة على ما يقدمه المفكرون من ثقافة واحدة وتوجُّه فكري واحد نتيجة عدم مشاركة الآخرين بادرت المملكة للمشاركة الفعّالة والإيجابية لدراسة مشروع الإعلان العالمي المهم هذا، وطلب مجلس الوزراء أن يتم تشكيل فريق في وزارة الخارجية بمشاركة ممثلين من وزارة الداخلية والشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ووزارة العدل وهيئة الخبراء بمجلس الوزراء وهيئة حقوق الإنسان، يكون جميع أعضائه من المؤهَّلين تأهيلاً عالياً في المجالات ذات العلاقة بمشروع الإعلان العالمي لواجبات الإنسان، على أن يكون من بينهم متخصصون في الشريعة والأنظمة.
هذا الحرص من أعلى المؤسسات التنفيذية، ومن قِبل خادم الحرمين الشريفين، يهدف إلى أن تكون مشاركة المملكة في دراسة مشروع الإعلان حسب الصيغ المتوافرة والمقدَّمة والتعديلات وما يرد من ملاحظات من قِبل الفريق السعودي ذي التأهيل العالي، الذي سيكون حاضراً ومشاركاً في الاجتماعات واللقاءات التي تُعقَد من أجل إقرار هذا المشروع.
هذه المشاركة لا شك أنها، إضافة إلى تأكيد الحضور السعودي الدولي، أيضاً ستسهم في تقديم الفكر الإسلامي وكيفية تعامل الإنسان من خلال واجبات محددة، وأن يكون المشروع العالمي لواجبات الإنسان معبِّراً عن أفكار وتوجيهات البشر جميعاً دون أن يكون حِكْراً على ثقافة أو فِكْر معيَّن.