مع كل التقدير لما ينشره المسؤولون في المملكة، ولما تنشره الهيئات الدولية (تعتمد معلوماتها على معلومات رسمية) فيما يتعلق بمركز المملكة التنافسي، إلا أن المهم هو الواقع ورأي المستثمرين الذين يستفيدون من خدمات الجهات الرسمية. ومؤشر التنافسية يحتوي على عدد من المؤشرات، منها ما يتعلق بالبنية الأساسية كالاتصالات والمواصلات، أو الإجراءات القانونية كالتسجيل والتقاضي وكذلك أسعار الخدمات كالكهرباء والمياه، فمثلاً حققت المملكة بكل اقتدار المركز الأول عالمياً في سرعة تسجيل العقار (فقط)؛ فبإمكان من يشتري عقاراً أن ينقل ملكيته خلال يوم واحد. والكل يلاحظ التطور الكبير والسريع وميكنة الإجراءات الخاصة بالوكالات الشرعية وكذلك إجراءات تسجيل العقود.
وقبل الدخول فيما يتعلق بالمملكة والإجراءات القانونية لتسجيل العقود بالمملكة العربية السعودية أود بداية أن نلقي نظرة على تقرير التنافسية الدولية للعام 2010-2011 وما يخص الدول العربية والخليجية بالذات. فقد حققت دولة قطر المركز الأول عربياً والـ 17 عالمياً تليها المملكة العربية السعودية في المركز الـ 21 فالإمارات العربية المتحدة 25، تونس 32، سلطنة عمان 34، الكويت 35، البحرين 37، الأردن 65، المغرب 75، مصر 81، الجزائر 86، لبنان 92 ثم سوريا 97...إلخ (حسبما ورد في مجلة عالم الاقتصاد عدد 234). إلا أن الواقع شيء مختلف؛ ففي تجربة (شخصية) لتسجيل وتعديل شركة ذات مسؤولية محدودة (كشريك ووكيل لجميع الشركاء) أحب أن أؤكد سهولة ومرونة الإجراءات من قِبل وزارة التجارة والصناعة (الإدارة العامة للشركات)، التي شهدها القطاع مؤخراً، إلا أنه واجهتني عقبة كبيرة في كتابة العدل (بالوزارة)؛ حيث إن كتابة العدل لا تعترف بما درسته ووافقت عليه وزارة التجارة والصناعة، وتبدأ تعديل العقد حسبما يراه فضيلة كاتب العدل، بما في ذلك الوكالات والتفاويض؛ حيث عانيت طلب إعادة صياغة الوكالات مرات عدة، ومرة أخرى رغبت الشركة في شراء أرض لمزاولة عملها لإقامة مصنع عليها، ولم تقبل بعض الوكالات السابقة إلا بتعديل صلاحيات مجلس المديرين التي كانت لها (كامل الصلاحيات المالية والإدارية) والموثّق من كاتب العدل نفسه، وطلبوا أن يُضاف لها شراء وبيع وتأجير العقار، ولما عقدت جمعية الشركاء ووافقت على ذلك طلبوا إضافة ذلك في بعض الوكالات، وهاتان العمليتان أخذتا وقتاً طويلاً أشهراً عدة لكل منهما؛ لصعوبة تعديل الوكالات.
والجدير بالذكر أن مساعدي كاتب العدل بالوزارة موظفون تتحمل الغرفة التجارية الصناعية بالرياض كامل تكاليفهم، وليست وزارة العدل كما هو مفروض. كما أن كتابة العدل بالقصيم (بريدة) تحتاج إلى موعد طويل قد يصل إلى الشهر لإثبات عقود الشركات.
هذه هي إحدى العقبات التي تواجه المستثمرين، والتي نرفعها إلى معالي وزير العدل وإلى مجلس القضاء الأعلى المكلف من قِبل خادم الحرمين الشريفين بتطوير نظام القضاء، وإعادة النظر في أعمال كتابات العدل والتوكيلات وغيرها.
تعليقات مختصرة:
- قال الله تعالى في كتابه العزيز {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (72) سورة الأحزاب
- ما يثار حول الحوافز الاستثمارية ودورها في رفع قضايا الإغراق ضد الصناعة السعودية ليس صحيحاً على إطلاقه؛ فجميع الحوافز الصناعية المقدمة بالمملكة (المتبقي منها) سبق أن نوقشت عند التفاوض لانضمامنا لمنظمة التجارة العالمية، وتبيّن أنها ليست من الحوافز المحظورة، حتى أن قضية أسعار الغاز المخفضة المثارة من بعض الدول لم تكن معتبرة من الحوافز المحظورة.
- إدارات الإعلام بالوزارات يبدو أنها في سبات عميق (إن وُجدت)، ولم يتبق سوى إدارات علاقات عامة، وما تقوم به بعض هذه الإدارات ليس له علاقة بالإعلام المتخصص الذي يخدم القطاعات التي تخص وزاراتهم.
- هناك تضارب بين الجهات الحكومية فيما يتعلق بتطبيق الأنظمة مثل نظام الشركات وتعدد الجهات التي تتدخل فيها.
- أقبل شهر رمضان المبارك، وبدأت حمى الشراء غير العادي إلى حد الإسراف، وبدأ التجار برفع الأسعار، فليت الجهات المختصة تبدأ حملات التوعية لترشيد الاستهلاك، وكذلك خطاب وأئمة المساجد لبيان ضرر الإسراف ديناً ودنيا.
والله من وراء القصد.
* مستشار إداري واقتصادي
musallammisc@yahoo.com