حينما كشفت أبحاث السوق في رمضان أن أقوى قوة شرائية توجد لدى المجتمع الخليجي، رأينا أن الشركات والمؤسسات والمحلات على الفور وضعت خططها لتسويق منتجاتها في السوق الخليجي مستهدفة كافة أفراده وشرائحه، ورأت أن أفضل وسيلة لتسويق منتجاتها هي القنوات الفضائية، باعتبارها أقرب وسيلة إعلامية للناس، في حين وجدت القنوات الفضائية فرصتها مع المعلن لدعم مكانتها الفضائية من خلال عائد الإعلان المجزي الذي يدعمها عشر سنوات للأمام، فاتفقت مع (المعلن) بحكم خبرتها الخليجية الذي تستهويه (المسلسلات) أكثر من المواد الفضائية الأخرى كالأغاني، والحوارات وغيرها. اتفق الطرفان (المعلن والفضائيات) على هذه النقطة، وبدأت الفضائيات تعطي فرصاً كبيرة لأيّ (كوكتيل تمثيلي خليجي) مهما كان نوعه وشكله، المهم أنها (مادة تمثيلية خليجية) كفيلة بأن تستقطب المشاهدين من الخليجيين.
المشاهد الخليجي ظل خسراناً من الجهتين، أولاً: اشترى المنتج تحت إلحاح الإعلان وإغرائه، وثانياً: خسر وقته مع (تمثيليات) خليجية أغلبها تهريج في تهريج، ولكن الجميل في الأمر أن كثيراً من الخليجيين بدأوا يرون أنهم الآن أكثر نضجاً فنياً من السابق، فلم يعد ينطلي عليهم مبدأ (شوت المشهد) الذي يتبناه بعض المنتجين أيّ نفذ المشهد التمثيلي بسرعة وبأيّ طريقة، وفي انتظار (تشويت) بقية المشاهد، ليكتمل معنا مسلسل منفذ بالأرجل وليس بالعقل، في حين يقبض المعلن والمنتج والفضائية دراهم تحتاج إلى مجهود كبير في عدِّها.
ومن جانب آخر، ما زال الجميع يؤكد على أن الدراما لا تعني الاستهبال، ولا الحركات الأرجوازية، ولا الأداء السركي، وما زالوا يؤكدون على ضرورة أن يتقمص الممثل الشخصية الدرامية بكل أبعادها، بدلاً من أن يهيمن عليها بشخصيته العادية كما هو شائع. ما زال المهتمون بالعمل الدرامي يرون أن النص الدرامي الذي يكتبه ثلاثة ويعدله عشرة و(يشوته) المخرج، لا يسهم أبداً في البناء الدرامي المعروف، ويؤثر على صورة العمل ويجعله أكثر شتاتاً.
الكل يقول بأهمية أن يقرأ الممثل النص الدرامي كاملاً ويعرف علاقته ببقية الشخصيات والأحداث، لأنهم لا يصدقون مطلقاً أن بعض المسلسلات تعطي الممثل قصاصات ورقية متفرقة من النص قبل التصوير بساعة ليطلع عليها ثم (يقول) معنى القصاصات، ويذهب بعدها إلى مسلسل آخر ينتظره بنفس الموال.
ما زال الجميع يؤكد على أن الدراما الخليجية مرهونة في كثير من أعمالها بمنتجي المقاولات الذين لا يرون في الفن شيئاً يذكر بقدر ما يرون العملية تجارة بحتة لا تقل عن تجارة الطوب والحجارة والحديد والألمنيوم.
مازال المطلعون على خبايا الدراما في الخليج متأثرين جداً، من ضعف دور المؤسسات المركزية في الرقي بفن التمثيل الخليجي رغم وجود رأس المال القوي الذي يمكن أن يوفر كل متطلبات العمل الدرامي.
ومازال الكل يعرف أن المشتغلين بالعمل الدرامي خليجياً إما أصحاب أكل عيش، وبعضهم لغرض تجاري وكثير منهم من أجل الشهرة وقلة من يعملون من أجل خدمة الأعمال الإبداعية والتطوير.
nlp1975@gmail.com