رمضان شهر كريم يتضاعف فيه الأجر للعبادة، والطاعة، والابتعاد عن المنكرات، غير أن البعض يرى فعلياً وكأنه الأجر والثواب في هذا الشهر الكريم لكثرة الأكل، وتنوع الموائد، فتحول الشهر تدريجياً لشهر الاستهلاك الغذائي والمسلسلات التلفزيونية، وبعض هذه المسلسلات، التي ....
... يفترض بها أن تكون مسلسلات عن شخصيات دينية، ورموز دعوية تحولت إلى مسلسلات عن شخصيات فنية مثل أم كلثوم، والسنباطي، وحتى الشحرورة، هداها الله، سيكون لها نصيب من رمضان هذا العام.
ولذلك فلا غرو أن ترتفع أسعار كل شيء، الغذاء، الفنانين، الشغالات، الشربة، الفيمتو، ومؤخراً اللبن الذي يرى البعض أنه أساس السحور. ولا يعرف الكاتب إذا ما كان ارتفاع الأسعار مرتبط برمضان فعلاً، أم أن حساسية المستهلك، وترقبه لرمضان ترتفعان بشكل أكبر تجاه هذه القضية، لأنه ومن خلال المراقبة الدقيقة فالأسعار لم تتوقف قط عن الارتفاع، وإن توقفت في رمضان، فستعاود الارتفاع حتماً في العيد.
أما المواطن المسكين فليس له حول ولا قوة تجاه ارتفاع الأسعار إلا الاحتجاج والتذمر دونما طائل. ولا يخلو الأمر من التعريض بالتجار أو التهجم على وزارة التجارة التي يعدها المواطن، ربما بسبب اسمها، وزارة للتجار، لا المستهلكين. والويل والثبور وعظائم الأمور لمن يحاول الدفاع عن أي منهم لأن البعض يراهم على خطأ في كل الأحوال، رغم أن الأمر قد يكون غير ذلك ويتطلب بعض التريث. فهناك نوعان من ارتفاع الأسعار: ارتفاع كلي، وارتفاع جزيئي. الارتفاع الكلي له علاقة بأمور اقتصادية كلية مثل السياسات الاقتصادية والنقدية في البلاد، ومستوى التضخم العالمي. أما الارتفاع الجزيئي فيعود لعوامل داخلية تتعلق في معظمها بقطاع التجزئة، والتوزيع والإيجارات التي قد يطالها التلاعب أحياناً.
الأمر المختلف هذه المرة، ونتيجة للظروف المحيطة بنا، هي أن المستهلكين لجؤوا لأخذ القانون في يديهم، كما يقال، وقرروا مقاطعة منظمة لشركة منتجة للألبان، وقد نجحوا في ذلك نسبياً، ودفعوا هذه الشركة للتراجع عن القرار، بعد تدخل صوري من وزارتنا للتجارة حفظها الله. وحول هذه القضية، وقضية ارتفاع الأسعار، يجد الكاتب لزاماً ذكر النقاط التالية:
أولاً: معظم الارتفاعات السعرية مؤخراً مردها لهبوط قيمة الريال، المرتبط بالدولار، لنصف قيمته قبل عشر سنوات. وضخ وزارة المالية مليارات في الاقتصاد بهدف إنعاشه وتجنيبه الركود. حيث ضخت أربعمائة مليار ريال في اقتصاد لم ينم إلا بحوالي 4%، وهذه عوامل رئيسة جعلت التضخم يرتفع بشكل غير مسبوق في المملكة. فهناك من يعتقد أن تحمل التضخم، أو تحميل المواطن التضخم آمن من تعديل صرف الريال، أو اتباع سياسة مالية متحفظة. والأموال تضخ بشكل أساسي في المشاريع، وبشكل أقل في المعاشات، ولذا فقد نلوم التجار وسبب ارتفاع الأسعار يعود في الأساس للسياسات الاقتصادية والنقدية الكلية.
ثانياً: هناك الكثير من التجار والموردين الشرفاء الذي يراعون الله في الأسعار التي يبيعون بها، وبعضهم لا يمرر ارتفاع السعر للمستهلك إلا مضطراً، ولكن بالمقابل هناك تجار يبخسون المستهلك بشتى الطرق، منها التقليل من الكمية، أو تسويق بضاعة ناقصة، أو منخفضة الجودة، أو من خلال التقصير في خدمات ما بعد البيع. وما نشاهده عندما نسافر للخارج هو أن بضائع أكثر جودة من البضائع المستوردة لنا تباع بأسعار مساوية أو أقل من الأسعار لدينا. فمعرفة الأسباب الحقيقية لارتفاع الأسعار، ومن رفعها أمر ضروري لتجنب التعميم الخاطئ.
ثالثاً: لا نريد من وزارة التجارة، ولا نعتقد أن وزارة التجارة تستطيع، التدخل في كل مرة ترتفع فيها الأسعار كما فعلت مؤخراً. ما يريده المستهلك هو أن تفعّل وزارة التجارة «نظام مكافحة المنافسة غير المشروعة» الذي يحد من احتكار السلع، ومن السيطرة على الأسعار والتلاعب بها، ويشجع ميزة التنافس التي يحتاجها السوق لردع رفع الأسعار. وأن تقوم الوزارة بدورها التشريعي في اقتراح أنظمة أخرى مشابهة تكون واضحة لا لبس فيها تنصف الجميع التاجر والمستهلك، وتطبق بمنتهى الصرامة. لأن الحبل في هذه المرحلة متروك على الغارب، وهناك وللأسف نقص في الأنظمة وفائض في الفوضى السوقية.
رابعاً: وهنا لا بد من قول كلمة الحق، هو أن الصناعة الغذائية لدينا تعد من أفضل الصناعات لدينا وفي المنطقة، ولذا يجب أن نفتخر بها ونحافظ عليها، ويكفينا أننا حققنا الاكتفاء الذاتي في مجالات مثل، الدواجن، والألبان ومشتقاتها، والبيض وغيرها من الأمور الأساسية. والحليب واللبن في المملكة أرخص من أي مكان في العالم، ولذلك لا يجب علينا فقط الحفاظ على هذه المكتسبات الصناعية بل ويجب أن نمنحها فرصة للتوسع.
خامساً: ارتفعت مدخلات الصناعة الغذائية من أعلاف، وعلائق، وأمصال، وبيطرة، ومعدات بشكل كبير مثلما ارتفعت سائر الأسعار، ولذلك فقد لا يُستغرب رفع سعر بعض المنتجات لتغطية هذه الزيادة، بدلاً من محاولة التوفير على حساب الجودة أو النوعية. وعموماً فكلفة هذه الزيادة على جيب المواطن في حال مثل الزيادة التي حدثت مؤخراً لا تتجاوز الخمسين ريالاً في الشهر، وإذا كان هذا الأمر مؤثراً على بعض قطاعات المستهلكين فقد يكون الحل الوسط هو تحمل الدولة هذه الزيادة على شكل إعانات للشركات للحفاظ على مستوى جودة منتجاتها، وفتح الباب أمامها للتوسع.
سادساً: الشركة المعنية التي رفعت السعر وتعرضت لكافة الضغوط، حسب بعض المسؤولين، تعد من أفضل الشركات ليس فقط في المملكة بل في العالم، ومنتجاتها من أفضل المنتجات نوعياً ومخبرياً، ولذلك فقد ينعكس ذلك في كلفة الإنتاج لديها، فبحساب سعر المدخلات، والإنتاج، والربح قد تكون الشركة اضطرت لهذه الزيادة، ولكن هذه الزيادة عموما كان يمكن أن تضع منتجين آخرين في وضع أكثر تنافسية يساعدهم على التوسع بزيادة حصصهم السوقية فيما لو لم يقدموا على رفع السعر بشكل مماثل، وهناك معلومات تقول إن إحدى شركات الألبان كانت تبيع بما يشبه الخسارة لزيادة حصتها السوقية. وللمواطن حق اختيار المنتج الذي يناسبه.
سابعاً: الكاتب مع المواطن قلباً وقالباً، وقد يكون أسلوب مقاطعة بعض المنتجات سلاحاً فعالاً بيد المواطن، ولكن يجب أن يطبق هذا الأسلوب بشكل أكثر وعياً، وألا توظف بشكل يعتمد على العاطفة فقط، لأن المقاطعة سلاح خطير ومؤثر. والله من وراء القصد
latifmohammed@hotmail.com