الذي يرصد التحولات في مجتمعنا يلمس أن هناك تغيرات حدثت في الذهنية لدى هذا الجيل, وهو امتداد لما يحدث في الوطن العربي من جيل وجد نفسه متواصلا عبر الإعلام الجديد والتقنيات التي ربطته مع بعضه البعض, فحول عالمه الافتراضي إلى عالم واقعي ومحسوس ونقل ما قيل عنه إنه افتراضي وتخيلي إلى حياة معاشة لها أنفاسها وروحها وحتى هياكلها . التحول في أبنائنا قلب بعض المفاهيم لدى الجامعات التي ما زالت تعمل بمعطيات الأمس بأن تخصص مقاعد محددة للتخصصات الطبية والعلوم التطبيقية والعلوم الأساسية وتفتح الباب أمام العلوم الإنسانية التي لا تحتاج إلا إلى مقعد وقاعة وأستاذ جامعي دون مختبرات ومعامل وتجهيزات.
مديرو الجامعات يشعرون بالحرج الشديد من الضغط الطلابي على التخصصات العلمية المهنية : الطب , الهندسة , الصيدلة , الحاسب لكن الجامعات لا تملك الإمكانات لقبول الطلاب واستيعابهم في تلك التخصصات؛ لذا (اخترعت) الجامعات السنة التحضيرية وتباشروا بها باعتبارها حواجز وسواتر ومتاريس في وجه تدفق الطلاب على تلك التخصصات ولم تكن السنة التحضيرية كما خطط لها للفرز والتصنيف والتعرف على طاقات وقدرات الطالب وقياسه في اختبارات السرعة والقوة وتشخيص المؤسسات التعليمية في التعليم العام.
نحن أمام جيل تكون علميا خلال (30) سنة الماضية وأصبح توجهه للعلوم الطبيعية والمهن الناجحة، أصبح لديه طموح للوصول إلى غايات ابعد في التعليم التطبيقي وأصبح ينافس نفسه ومحيطه, في حين أن جامعاتنا ما زالت بالمنهجية الأكاديمية التقليدية في توزيع الطلاب على الكليات والأقسام والتخصصات التي فقدت أهميتها لدى الطلاب ولدى حاجات سوق العمل.
لقد تجاوز سكان بلادنا (27) مليون نسمة والسعوديون تجاوزا (18) مليونا, في حين الجامعات تخصص (500) مقعد في الطب, وربما جامعات لا يوجد فيها تخصصات طبية وجامعات أخرى ما زالت في بدايات العلوم الطبية وكذلك الحال في الهندسة والحاسب وعلوم الرياضيات والفيزياء والقانون.
وهذا يتطلب إعادة هيكلة الجامعات لتتناسب والتفوق العلمي وطموح الطلاب والتغيرات العلمية في العالم, لان الأجيال الحالية تجاوزت معرفيا وثقافيا خطط الجامعات التي لم تستوعب التغير النوعي لدى طلابنا.
فإذا بقيت الجامعات السعودية على خططها القديمة وثقافة إداراتها (غير المتجددة) مقابل جيل يتواصل علميا ويطور نفسه ويقفز قفزات واسعة تجاه المعارف والثقافات التي تقوم على التفكير العلمي , وأيضا إذا استمرت جامعاتنا في بناء خططها على فكرة استيعاب الطلاب في الجامعات في أي تخصص دون التقدم إلى الأمام وقبول الطلاب حسب إمكاناتهم الذهنية والعلمية وتحقيق رغباتهم وطموحهم فإننا سنجهض هذا الجيل ونخسره وستكون ردة فعله قوية تجاه المجتمع , وتكون الإدارة التعليمية والتخطيطية قد تأخرت كثيرا.