فاصلة:
«ليست الأشياء قط كما هي، بل كما تبدو»
(حكمة إسبانية)
كل المهن لها أخلاقيات، لكن ليس كل المهنيين يعرفون أخلاقيات مهنهم؛ وبالتالي فهم لا يستطيعون الإخلاص في إنجاح رسالتهم المهنية.
«الداعية» صاحب مهنة بالغة الأهمية في مجتمعاتنا، وعبر القنوات الفضائية انتشر صيت الدعاة، وصار لهم جمهورهم، كما أصبح لهم ثمنهم في تلك القنوات الفضائية، تماماً كما للفنانين والإعلاميين المشهورين ثمن.
ومن هنا بدأت أخلاقيات هذه المهنة تتكشف عبر ممتهنيها، وبعد أن كان الدعاة في مجتمعنا لهم هيبة العِلْم لم نعد نثق ببعضهم في ميزان الشخصية المتزنة، فضلاً عن أن نسمح لهم بالتأثير في عقولنا.
القضية ليست في أخلاقيات المهنة بل في الداعية نفسه؛ حيث إن تكوين قيمه لم يرتقِ إلى المهنة التي امتهنها.
أنْ تكون داعية وتقدِّم نفسك للناس في هذا الإطار فعليك أن تكون على قدر من الالتزام بمواصفات المهنة وأخلاقياتها.
بالطبع فإنّ الدعاة ليسوا منزهين عن الأخطاء، مثلهم مثل الطبيب والإعلامي والمهندس والتاجر وعامل الكهرباء، وكل إنسان ملتزم بمهنة يكتسب من ورائها الرزق الحلال، لكن لكل مهنة أخلاقيات خاصة بها، مَنْ استطاع أن يلتزم بها استطاع أن يتقن عمله، لكن من حاول استثمارها لصالح منافعه الشخصية فإنه وإن طال الزمان سوف يكشف الناس قناعه.
قبل الالتزام بهذه الأخلاقيات علينا أن نتساءل عن قيم الإنسان نفسه التي هي في الأصل تُشكِّل ممارسات سلوكياته وتعامله الحياتي وفق أدواره الاجتماعية.
لذلك من المفترض ألا نحاسب تاجراً يغش بسبب مهنته بل بسبب قيمه، ولا إعلامياً ينافق بسبب الإعلام، ولا طبيباً يخطئ في حياة إنسان بسبب الطب.
المهن ليست مسؤولة عن أخطائنا بل نحن المسؤولون عن قيمنا التي تشكلت في بيئتنا الأسرية، واتضحت معالمها حين بدأنا الحياة العملية وامتهنّا أي مهنة؛ لذلك حين يخطئ داعية فليس معنى ذلك أن الصورة الذهنية للدعاة قد تشوّهت، إنما علينا أن نُحكِّم عقولنا في منح تقديرنا واحترامنا لمن نثق بقيمه قبل التزامه بأخلاقيات المهنة.
nahedsb@hotmail.com