مع اقتراب شهر رمضان المبارك، أعلنت قبل أيام مجموعة تحري، المكونة من عدد من الجمعيات، والهيئات الفلكية المحلية والعربية، أن غرة رمضان لهذا العام سوف تكون يوم الاثنين، الأول من أغسطس، وفقا للبيانات الفلكية.
ولأن علماء الفلك استطاعوا معرفة إمكانية رؤية الهلال لمئات، أو حتى آلاف السنين القادمة، فقد بينت المجموعة: أن القمر يوم السبت، الموافق 29-8، سوف يغرب عند الساعة 7:02 مساء، في حين تغرب الشمس عند الساعة 7:07 مساء، وبما أن القمر يغرب قبل غروب الشمس، فهذا يعني: أن اليوم التالي هو المكمل للثلاثين، ويوم الاثنين هو غرة شهر رمضان لهذا العام، أما يوم الأحد 30-8، فسوف يغرب القمر عند الساعة 7:26 مساء، وتغرب الشمس قبله عند الساعة 7:01 مساء، وعلى ما سبق، يتضح: أن يوم الاثنين هو غرة شهر رمضان لهذا العام - بإذن الله -.
الجميل في البيان، هو إحالة المجموعة إلى الجهة المخولة، والوحيدة؛ للإعلان الرسمي لبداية شهر رمضان المبارك في المملكة العربية السعودية، وهي المحكمة العليا - فقط -، باعتبارها الجهة الرسمية، والمسؤولة عن اتخاذ القرار النهائي، وأن ما يطرح من قبل مجموعة تحري الأهلة « تحري»، هو للفائدة العامة، وليس إعلانا، أو تحديدا لبداية الشهر.
إن دقة الحسابات الفلكية تؤكد عدم اختلال النظام الكوني، - وبالتالي - فإن التأكيد على استخدام الحسابات الفلكية، كمدخل للرؤية الشرعية الصحيحة مطلب مهم. فالحسابات الفلكية ليست إهمالا للرؤية الشرعية، بقدر ما هي وسيلة إثبات؛ للتأكد من شهادة الشهود. وهذه الدقة في الحسابات الفلكية تؤكد: أن الإسلام دين العلم، والحق، وأنه حجة الله الباقية على الناس كافة .
حاولت أن أقرأ لأساتذة، بدؤوا رحلة أبحاثهم حول هذا الموضوع، فوقع نظري على كلمات - للدكتور - ياسين محمد المليكي، وهو يعلق على قول الله - تبارك وتعالى - في كتابه العزيز: (وَءَايَةٌ لَّهُمُ الَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإذَا هُم مُّظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِى لَهَآ أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )، بأن المتأمل في هذه الآيات الكريمات، يجد إعجازًا بالغًا من نواح عدة؛ لعل منها ما يلي: الترتيب الدقيق في التوجه نزولاً من أسبار الكون، حيث الظلام الدامس الذي يسيطر على جنباته، والمحيط بالمجرة، والمجموعة الشمسية، وذلك هو الحال كما رصده رواد الفضاء، وصوّرته الأقمار الصناعية، ومن ثم الاتجاه نحو الشمس، وهي مركز مجموعتنا الشمسية، والتي تجري سابحة بسرعة هائلة نحو مستقرّها الذي قدره العزيز العليم. ثم التوجه نحو القمر، وهو الجرم الصغير الذي يدور حول تابع للشمس «الأرض». كما تشرح الآيات، كيفية تغير منازله الدالة على توالي الأيام، حتى يعود هلالاً صغيرًا، بسبب تغير موقعه بالنسبة للشمس، والأرض.
وقد استدل بعض العلماء من الآية السابقة، على أن القمر يجب أن يغرب بعد غروب الشمس مباشرة؛ لتحديد أول الشهر، ودخوله، وأن هذا التغير الزماني، ناتج عن ارتباطه بالمكان لكل من الجرمين، اللذين يسبح كل منهما في فلكه بدقة عالية. ولو تصورنا هذه الأجرام الثلاثة، وهي تسبح في مداراتها بأحجامها المتباينة، وبسرعاتها العالية، وأبعادها الكبيرة؛ لَهالَنَا ذلك التصور.
بعد هذا كله، هل سنختلف مرة أخرى حول دخول شهر رمضان، أو خروجه؟. مع أن الهيئات العلمية - كانت ولا زالت - توضح الجانب الفلكي، حول بداية الأشهر القمرية في كل عام؛ لكي يسهل فهم الإشكال. مع أن الإشكال في تقديري، سيبقى ما بقي «عدم اعتماد الحساب الفلكي مع إمكانية الرؤية». - ولذا - فإن استمرار الجهود، وعقد المؤتمرات؛ من أجل الوصول إلى كلمة سواء، وتحديد الأشهر الهجرية بطريقة شرعية علمية ، سيساهم في الوصول إلى غاية عبادية صحيحة - بإذن الله -، وذلك بما ينبثق عن تلك المؤتمرات من نتائج واقعية قابلة للتطبيق، بدلا من الاعتماد على غير المتخصصين في علم الفلك، أومن الذين لا يحملون أي شهادة علمية في هذا التخصص؛ لتقبل شهاداتهم عندئذ، حتى لو دلت الحسابات الفلكية، أن الهلال غير موجود في الأفق. في الوقت، الذي أوصلت هذه الحسابات الدقيقة الغرب إلى الأجرام السماوية الأخرى، وإطلاق الأقمار الصناعية حول الأرض؛ لمعرفة مواقيت الصلوات، وحساب مواعيد الخسوف والكسوف، بدقة متناهية تصل إلى أجزاء من الثانية. وكانت - بلا شك - أساس الملاحة البحرية، والجوية، والفضائية.
drsasq@gmail.com