خارطة الشام العربي.. هل يُعاد رسمها من جديد.. بدأت بالعراق.. ثم سوريا.. وتداعيات سوريا لها ظلالها الكبيرة على الوضع في لبنان.. ثم ما حدث في سوريا ألقى بظلاله على حماس وربما اضطرها ودمشق تستضيف المكتب السياسي لحماس..
لأن تدخل حماس في حوار مع منظمة فتح وتشترك في تشكيل حكومة فلسطينية طال انتظارها منذ سنوات..
ولا شك أن بناء تغيُّر جديد في سوريا سيكون هو الأهم في خارطة التغيرات التي قد تحدث في العالم العربي لأهميتها السياسية في مشكلة الشرق الأوسط، ولعلاقاتها مع حزب الله اللبناني، ومنظمة حماس، وأهم هذه العلاقات مع إيران.. وإيران في سعي حثيث لإيقاف التغير المحتمل في سوريا، لأنها ستفقد حليفاً إستراتيجياً في منطقة الشام، وداعماً أساسياً لحزب الله في تلك المنطقة..
والوضع في سوريا يترنح ويتصاعد، ولم يتمكن النظام السياسي من إدارة الأزمة بالشكل المطلوب، ولا تزال أحداث الشارع هي التي تقود الحراك التغيري في سوريا، رغم محاولات النظام اليائسة في وضع أجندات إصلاحية لكنها دون مستوى توقع الناس والشارع السوري. ومنطق الأحداث التي تجوب كافة المدن والقرى تشير إلى أن الأمور هي في طريقها إلى التصاعد والتطور الدراماتيكي الذي ربما سيعصف بالنظام أو سيضطره إلى إعطاء تنازلات كبيرة لم يكن يفكر فيها أبداً..
إن الإمساك بزمام الأمور يبدو أنه قد فات على النظام السوري، وكلما جاء خطاب للرئيس بشار الأسد توقعت الجماهير السورية ومعها الحريصون على وحدة سوريا وبقائها والمتابعون السياسيون والإعلاميون أن تغيراً نوعياً سيحدث، ولكن يصاب الشارع بخيبة أمل كبيرة ومعه المتابعون في المنطقة، فلا يزال النظام يسير خلف الأحداث وليس أمامها، ولا يزال يعيش في حالة رفض نحو التحول والتغير.. ولهذا تتفاقم الأمور وتزداد سوءاً بعد سوء.. ولا نزال نبحث عن مخارج لهذه الأزمة المتفاقمة، ولكن الأمور تسير في عكس تيار الحلول المتوقعة وتتجه نحو الحلول المحتملة.. والمتوقع هو أن يسعى النظام إلى إعادة بناء المؤسسات بما يواكب مرحلة تغير حقيقية في الحياة والمجتمع السوري وفق منطق الأحداث ومعطيات الواقع.. أما الحلول المحتملة فهي مسار آخر من مسارات الثورات العربية.. مسار ليبيا أو مسار اليمن، ولم أقل مسار تونس ومصر، لأن الأحداث في سوريا قد تجاوزت معطيات هذين المسارين..
سوريا كنظام سياسي تمسك بأوراق مهمة في منطقة الشام، فهي تمسك بالورقة اللبنانية، وتمسك بالورقة الفلسطينية، كما تمسك بأوراق أخرى مذهبية وعرقية.. ولهذا فإن فراغاً سياسياً في سوريا من شأنه ربما أن يخلط أوراقاً جديدة في المنطقة، ولربما يعيد رسم المصالح الإستراتيجية بما يحقق أو يضر بمصالح قائمة وسياسات تاريخية في المنطقة.. ولهذا فإن درجة الترقب هي عالية جداً لما يمكن أن يحدث هناك، وما قد تجره تلك الأحداث من إعادة هيكلة للمصالح العربية والخارجية في المنطقة..
إن فك ارتباط سوريا بحزب الله سيكون تحولاً كبيراً في السياسة اللبنانية، وربما سيفرض أمراً واقعاً وتحولاً توافقياً ممكناً هناك، ولكن خروج سوريا من الورقة اللبنانية لا يعني خروج إيران، فستظل إيران هي الأخ الأكبر لعدد من الأنظمة والأحزاب والجماعات، ولكن لا شك أن خروج سوريا من تحت المظلة الإيرانية سيقلص من النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، ويجعل من العراق ورقتها الرئيسة التي تواجه من خلالها عداءاتها المفترضة، وترسم سياساتها التوسعية المبنية على أساس مذهبي صارخ، دون النظر التعايشي مع مذاهب إسلامية أخرى..
منطقة الشام هي منطقة محورية في الصراع العربي - الإسرائيلي، ويكفينا أن معظم دول المواجهة هي من دول هذه المنطقة، إضافة إلى امتدادات هذه الدول.. ولهذا فإن سوريا بأوضاعها الحالية تُشكّل أزمة حقيقية لاستقرار هذه المنطقة، وبالتالي استقرار المشرق العربي.. والصراع الحالي بين النظام السوري وبين المتظاهرين والمؤيدين من أبناء شعبه عبر الشوارع وعبر لافتات الشجب والتأييد لن تجدي كثيراً في بقاء النظام إن بقي النظام كما هو الآن.. وما يحتاجه النظام هو خطة إنقاذ حقيقية تكون نوعية في فكرها وهيكلتها المؤسساتية.. ولن تنفع إصلاحات الترقيع التي يحاول النظام أن يزين بها نفسه أن تعيد الأمور كما كانت قبل أشهر من الآن.. وما يحتاجه النظام ربما هو التخلي عن النظام فكراً وحزباً وممارسات حتى يستعيد الحياة من جديد.. ونحن في عموم العالم العربي مع استقرار المنطقة العربية، لكن الوضع القائم في سوريا هو استنزاف للمقدرات العربية، ولا بد من إيجاد الحلول العاجلة التي يمكن لسوريا الدولة أن تبقى في منظومة الأمن العربي..
*رئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.sa