لا أجـــد مبرراً واحداً لاستمرار الكليات التقنية في عهدة ما يُسمى حالياً بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني, بل إني أرى من الظلم لتلك الكليات الفتية استمرارها في وضعها إلى هذا الوقت وحشرها تحت مظلة مؤسسة غير مؤهلة للإشراف على تعليم تقني عالٍ هذا من جهة, ومن جهة أخرى فإن استثناء هذه الكليات من بين جميع الكليات في المملكة وتشكيلها تحت إشراف مؤسسة أخرى قد أحدث ازدواجاً مع وزارة التعليم العالي وهي الجهة المعنية بالتعليم الجامعي وما في مستواه والكليات التقنية بهذا التوضيح جزء منها وينظر المجتمع إلى مخرجاتها على أنها الأساس والمصدر الرئيس في إمداد التنمية الوطنية بالكوادر البشرية التقنية والفنية المؤهلة في مجالات حيوية, وتخصصاتها من الدقة والتعقيد ما يجعلها محتاجة لخبرات عالية التأهيل لتصميم برامج ومناهج تضمن الحصول على مخرجات ذات جودة عالية لكن هذه الخبرات لن تنمو وتتطور مهنياً إلا في منظومة جامعية منفتحة على الخبرات المحلية والعالمية في جامعات الوطن والجامعات العربية والعالمية, ثم كيف يتطور أعضاء هيئة التدريس في تلك الكليات وقد تم تحويلهم لما سُمي بكادر التدريب وهو كادر يختلف عن كادر أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، وأعتقد أنه لا يدفع أساتذة الكليات التقنية للبحث العلمي والنشر وهو السبيل الأمثل لتطوير قدرات الأستاذ الجامعي مع حضور المؤتمرات وورش العمل والدورات التدريبية ولذلك دفع هذا التغيير الطموحين من الدكاترة للبحث عن مواقع أفضل في الجامعات السعودية وبما أدى إلى أن تخسر هذه الكليات أميز خبرائها وأتمنى أن لا ينفرط العقد وتفرط هذه الكليات الواعدة بالمزيد منهم.
المؤشرات الحالية تبث لنا دلالات مخيفة على وضع تلك الكليات وقلقاً أكبر على مستقبلها الغامض في ظل وجودها خارج منظومة التعليم العالي وتحت إدارة مؤسسة وجدت أصلاً للإشراف على معاهد في المستوى الثانوي ومراكز تدريب المهني ووضع الكليات التقنية إلى جانبها يشتت جهود المؤسسة والمنطق يفرض نفسه بتفريغ المؤسسة للتدريب التقني والمهني ما دون الجامعي وضم جميع الكليات والمعاهد ما فوق الثانوي إلى وزارة التعليم أسوة بكليات البنات والكليات الصحية إذ نظمت جميع هذه الكليات في هياكل الجامعات وتمت غربلتها وإعادة تنظيمها وهيكلة تخصصاتها وفقاً لما يحتاجه سوق العمل السعودي وهو جهد رائع وموفق أنجزته لجنة الإصلاح الإداري.
الكثيرون يتمنون أن تلحق بها الكليات التقنية ليعاد تنظيمها والإبقاء على التخصصات الضرورية وتقويتها وإلغاء التخصصات المكررة أو التي تعاني من ضعف الطلب على خريجيها لكن هذه الأمنية لم تتحقق حتى الآن وهو ما يطرح أسئلة تحتاج إلى إجابات شافية فلماذا تأخر هذا الإجراء الضروري حتى الآن؟ ومن المستفيد من هذا التأخير الذي لا يخدم الصالح العام؟ وهل لدى لجنة الإصلاح الإداري حالياً أفكار جديدة بخصوص هذه الكليات؟ وهل هناك نية قريبة ليرى هذا الإجراء المنتظر النور؟
إذا تم هذا الإجراء فسيكون بداية مشرقة لعهد جديد مختلف ستشهده هذه الكليات - بإذن الله - وهو إجراء طبيعي ومنطقي يمكن أن يُنفذ بإنشاء جامعة تحت مسمى جامعة العلوم والتقنية والتي أرى أن أبرز مهامها تطوير البرامج الدراسية بالكليات لتكون أربع سنوات للحصول على البكالوريوس واستحداث برامج للماجستير والدكتوراه في تخصصات فنية وتقنية نادرة وتفعيل مسارات معطلة مثل البحث العلمي وخدمة المجتمع والنهوض بالمستوى الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس.
shlash2010@hotmail.com